الأول : قال المفسّرون (١) ـ [رحمهمالله] ـ : ذكّر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ النّاس يوما في بيت عثمان بن مظعون ـ رضي الله عنه ـ فوصف القيامة ، وبالغ في الإنذار والتّحذير ، فرقّ له النّاس وبكوا ، فاجتمع عشرة من الصّحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وهم : أبو بكر ، وعليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبو ذرّ الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرّن ـ رضي الله عنهم ـ ، وتشاوروا على أن يترهّبوا ، ويلبسوا المسوح ، ويجبوا مذاكيرهم ، ويصوموا الدّهر ، ويقوموا اللّيل ، ولا ينامون على الفرش ، ولا يأكلون اللّحم والودك ، ولا يقربون النّساء والطّيب ، ويسيحوا في الأرض ، وحلفوا على ذلك ، فبلغ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ [ذلك] ، فأتى دار عثمان بن مظعون الجمحي ، فلم يصادفه ، فقال لامرأته أمّ حكيم بنت أبي أميّة ـ واسمها «الحولاء» ، وكانت عطّارة ـ : أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب ، وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله : إن كان أخبرك عثمان فقد صدق ، فانصرف رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ ، فلّما دخل عثمان أخبرته بذلك ، فأتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ هو وأصحابه ، فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ : ألم أنبّأ أنّكم اتّفقتم على كذا وكذا ، قالوا : بلى يا رسول الله ، ما أردنا إلا الخير ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : إنّي لم أؤمر بذلك ، ثمّ قال : إنّ لأنفسكم عليكم حقّا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنّي أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللّحم والدّسم ، وآتي النّساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. ثمّ جمع إليه النّاس وخطبهم فقال : ما بال أقوام حرّموا النّساء والطّعام ، والطّيب والنّوم ، وشهوات الدّنيا؟! أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللّحم ، ولا اتّخاذ الصّوامع ، وأنّ سياحة أمّتي الصّوم ، ورهبانيّتهم الجهاد ، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ، وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتّشديد ، شدّدوا على أنفسهم ، فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الدّيار والصّوامع ، فأنزل الله هذه الآية (٢).
وعن عثمان بن مظعون ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنّه أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ فقال : ائذن لنا في الاختصاء ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم : ليس منا من خصى أو اختصا ، إنّ خصاء أمتّي الصّيام ، فقال يا رسول الله : ائذن لنا في السّياحة ، فقال : إنّ سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله ، قال يا رسول الله : ائذن لنا
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٥٨.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ الطبري (٥ / ١١) عن السدي وأخرجه أبو الشيخ من طريق ابن جريج عن المغيرة بن عثمان قال : كان عثمان بن مظعون فذكره.