تكرّر». وقد وهّموه الناس في ذلك ، وذكروا تلك المعاني المتقدّمة.
وأجاب الواحدي (١) بوجهين :
الأول : أنّ بعضهم قال : عقدتم بالتّخفيف وبالتّشديد واحد في المعنى.
والثاني : هب أنّها تفيد التكرير ، كما في قوله تعالى : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : ٢٣] ، إلّا أنّ هذا التكرير يحصل بأن يعقدها بقلبه ولسانه ، ومتى جمع بين القلب واللّسان فقد حصل التّكرير ، أمّا لو عقد اليمين بأحدهما دون الآخر لم يكن منعقدا لها فسلمت القراءة تلاوة ولله الحمد.
وأمّا «عاقدت» ، فيحتمل أن تكون بمعنى [المجرّد نحو] : «جاوزت الشّيء وجزته» ، وقال الفارسيّ : «عاقدتم» يحتمل أمرين :
أحدهما : أن يكون بمعنى «فعل» ، كطارقت النّعل ، وعاقبت اللّصّ.
والآخر : أن يراد به «فاعلت» التي تقتضي فاعلين ؛ كأن المعنى : بما عاقدتّم عليه الأيمان ، عدّاه ب «على» لمّا كان بمعنى عاهد ، قال : (بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) [الفتح : ١٠] ؛ كما عدّى : (نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : ٥٨] ب «إلى» ، وبابها أن تقول : ناديت زيدا ؛ نحو : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ) [مريم : ٥٢] لمّا كانت بمعنى دعوت إلى كذا ، قال : (مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) [فصلت : ٣٣] ثم اتّسع فحذف الجارّ ، ونقل الفعل إلى المفعول ، ثم حذف الضمير العائد من الصلة إلى الموصول ؛ إذ صار : «بما عاقدتموه الأيمان» ؛ كما حذف من قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : ٩٤] ، قال شهاب الدين : يريد ـ رحمهالله ـ أن يبيّن معنى «المفاعلة» ، فأتى بهذه النظائر للتضمين ، ولحذف العائد على التدريج ، والمعنى : بما عاقدتّم عليه الأيمان ، وعاقدتكم الأيمان عليه ، فنسب المعاقدة إلى الأيمان مجازا ، ولقائل أن يقول : قد لا نحتاج إلى عائد حتّى نحتاج إلى هذا التكلّف الكثير ، وذلك بأن نجعل «ما» مصدرية ، والمفعول محذوف ، تقديره : بما عاقدتّم غيركم الأيمان ، أي : بمعاقدتكم غيركم الأيمان ، ونخلص من مجاز آخر ، وهو نسبة المعاقدة إلى الأيمان ؛ فإنّ في هذا الوجه نسبة المعاقدة للغير ، وهي نسبة حقيقة ، وقد نصّ على هذا الوجه ـ جماعة.
قالوا (٢) : «ما» مع الفعل بمنزلة المصدر ، ولكن يؤاخذكم بعقدكم ، أو بتعقيدكم ، أو بمعاقدتكم الأيمان إذا خنتم ، فحذف وقتا لمؤاخذة ؛ لأنّه معلوم ، أو ينكث ما عاقدتم ، فحذف المضاف.
وقد تعقّب أبو حيان على أبي عليّ كلامه ؛ فقال : «قوله : إنّه مثل «طارقت النّعل» و «عاقبت اللّصّ» ، ليس مثله ؛ لأنّك لا تقول : طرقت ولا عقبت ، وتقول : عاقدتّ
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٦٢.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ٦٢.