اليمين ، وعقدتّها» ، وهذا غير لازم لأبي عليّ ؛ لأنّ مراده أنه مثله من حيث إنّ «المفاعلة» بمعنى أن المشاركة من اثنين منتفية عنه ؛ كانتفائها من عاقبت وطارقت ، أمّا كونه يقال فيه أيضا كذا ، فلا يضرّه ذلك في التشبيه ، وقال أيضا : «تقديره حذف حرف الجرّ ، ثم الضمير على التدرّج ـ بعيد ، وليس بنظير : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ؛ لأن «أمر» بتعدّى بنفسه تارة ، وبحرف الجرّ أخرى ، وإن كان الأصل الحرف ، وأيضا ف «ما» في (فَاصْدَعْ بِما) لا يتعيّن أن تكون بمعنى «الّذي» بل الظاهر أنها مصدريّة ، [وكذلك ههنا الأحسن : أن تكون مصدرية] لمقابلتها بالمصدر ، وهو اللّغو».
قال الواحدي (١) : يقال : عقد فلان اليمين والعهد والحبل عقدا ، إذا وكّده وأحكمه ، ومثل ذلك أيضا «عقّد» بالتّشديد إذا وكّد ، ومثله : عاقد بالألف.
وقد تقدم الكلام في سورة النّساء عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) [الآية : ٣٣] و «عاقدت» ، وذكر في هذه ثلاث قراءات في المشهور ، وفي تيك قراءتان ، وقد تقدم في النساء أنه روي عن حمزة : «عقّدت» بالتشديد فيكون فيها أيضا ثلاث قراءات ، وهو اتفاق غريب ، فإنّ حمزة من أصحاب التخفيف في هذه السورة ، وقد روي عنه التثقيل في النساء.
والمراد بقوله : «عقّدتم ، وعاقدتم» أي : قصدتم وتعمّدتم ، وتقدّم الكلام على ذلك في سورة البقرة.
قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ) مبتدأ وخبر ، والضمير في «فكفّارته» فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه يعود على الحنث الدّالّ عليه سياق الكلام ، وإن لم يجر له ذكر ، أي : فكفّارة الحنث.
الثاني : أنه يعود على «ما» إن جعلناها موصولة اسميّة ، وهو على حذف مضاف ، أي: فكفارة نكثه ، كذا قدّره الزمخشريّ (٢).
والثالث : أنه يعود على اليمين ، وإن كانت مؤنثة ؛ لأنها بمعنى الحلف ، قالهما أبو البقاء (٣) ، وليسا بظاهرين.
و «إطعام» مصدر مضاف لمفعوله ، وهو مقدّر بحرف وفعل مبنيّ للفاعل ، أي : فكفّارته أن يطعم الحانث عشرة ، وفاعل المصدر يحذف كثيرا ، ولا ضرورة تدعو إلى تقديره بفعل مبنيّ للمفعول ، أي : أن يطعم عشرة ؛ لأنّ في ذلك خلافا تقدّم التنبيه عليه ؛ فعلى
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ٦٢.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٧٣.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.