الأول : يكون محلّ «عشرة» نصبا ؛ وعلى الثاني : يكون محلّها رفعا على ما لم يسمّ فاعله ، ولذلك فائدة تظهر في التابع ، فإذا قلت : «يعجبني أكل الخبز» فإن قدّرته مبنيا للفاعل ، فتتبع «الخبز» بالجرّ على اللفظ ، والنّصب على المحلّ ، وإن قدّرته مبنيّا للمفعول ، أتبعته جرّا ورفعا ، فتقول : «يعجبني أكل الخبز والسّمن والسّمن والسّمن» ، وفي الحديث : «نهى عن قتل الأبتر وذو الطّفيتين» برفع «ذو» على معنى : أن يقتل الأبتر ، قال أبو البقاء (١) : «والجيّد أن يقدّر ـ أي المصدر ـ بفعل قد سمّي فاعله ؛ لأنّ ما قبله وما بعده خطاب» ، يعني : فهذه قرينة تقوّي ذلك ؛ لأنّ المعنى : فكفّارته أن تطعموا أنتم أيها الحالفون ، وقد تقدم أنّ تقديره بالمبنيّ للفاعل هو الراجح ، ولو لم توجد قرينة ؛ لأنه الأصل.
قوله تعالى : (مِنْ أَوْسَطِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ رفع خبرا لمبتدأ محذوف يبيّنه ما قبله ، تقديره : طعامهم من أوسط ، ويكون الكلام قد تمّ عند قوله : «مساكين» ، وسيأتي له مزيد بيان قريبا إن شاء الله تعالى.
والثاني : أنه في موضع نصب ؛ لأنه صفة للمفعول الثاني ، والتقدير : قوتا أو طعاما كائنا من أوسط ، وأما المفعول الأوّل فهو «عشرة» المضاف إليه المصدر ، و «ما» موصولة اسميّة ، والعائد محذوف ، أي : من أوسط الذي تطعمونه ، وقدّره أبو البقاء (٢) مجرورا ب «من» ، فقال : «الذي تطعمون منه» ، وفيه نظر ؛ لأنّ من شرط العائد المجرور في الحذف : أن يتّحد الحرفان والمتعلّقان ، والحرفان هنا ، وإن اتفقا وهما «من» و «من» إلا أنّ العامل اختلف ؛ فإنّ «من» الثانية متعلّقة ب «تطعمون» ، والأولى متعلّقة بمحذوف ، وهو الكون المطلق ؛ لأنها وقعت صفة للمفعول المحذوف ، وقد يقال : إنّ الفعل لمّا كان منصبا على قوله : «من أوسط» ، فكأنه عامل فيه ، وإنما قدّرنا مفعولا لضرورة الصّناعة ، فإن قيل : الموصول لم ينجرّ ب «من» إنّما انجرّ بالإضافة ، فالجواب : أنّ المضاف إلى الموصول كالموصول في ذلك ؛ نحو : «مرّ بغلام الّذي مررت».
و «أهليكم» مفعول أول ل «تطعمون» ، والثاني محذوف ؛ كما تقدم ، أي : تطعمونه أهليكم ، و «أهليكم» جمع سلامة ، ونقصه من الشروط كونه ليس علما ولا صفة ، والذي حسّن ذلك : أنه كثيرا ما يستعمل استعمال «مستحقّ لكذا» في قولهم : «هو أهل لكذا» ، أي : مستحقّ له ، فأشبه الصفات ، فجمع جمعها ، وقال تعالى : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) [الفتح : ١١] (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] ، وفي الحديث : «إنّ لله أهلين» قيل : يا رسول الله : من هم؟ قال : «قرّاء القرآن هم أهلو الله وخاصّته» (٣) ، فقوله : «أهلو الله» جمع حذفت
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٥.
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢١٥) وأحمد (٣ / ١٢٧ ، ١٢٨ ، ٢٤٢) والدارمي (٢ / ٤٣٣) والحاكم (١ / ٥٥٦) وأبو نعيم في «الحلية» (٣ / ٦٣) عن أبي سعيد.