ويجوز أن يكون معنى الطّعم راجعا إلى التّلذّذ بما يؤكل ويشرب.
وقد تقول العرب : تطعّم حتى تطعم أي : ذق حتى تشتهي ، فإذا كان معنى الكلمة راجعا إلى الذّوق ، صلح للمأكول والمشروب معا.
فإن قيل : إنه تعالى شرط نفي الجناح بحصول التّقوى والإيمان مرّتين ، وفي المرّة الثّالثة : بحصول التّقوى والإحسان.
وللنّاس في هذا قولان :
أحدهما : أنّ هذا من باب التوكيد ، ولا يضرّ حرف العطف في ذلك ؛ كقوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٣ ، ٤] ، حتى إنّ ابن مالك جعل هذا من التوكيد اللفظيّ المبوب له في النحو.
والثاني : أنه للتأسيس ، إلا أنّه جعل التغاير حاصلا بتقدير المتعلّقات.
واختلفوا في تفسير هذه المراتب الثّلاثة على وجوه :
أحدها : قال الأكثرون : الأوّل : عمل الاتّقاء.
والثاني : دوام الاتّقاء والثبات عليه.
والثالث : اتقاء ظلم العباد مع ضم الإحسان إليه.
وثانيها : أن الأول اتّقاء جميع المعاصي قبل نزول هذه الآية.
والثاني : اتّقاء الخمر والميسر وما في هذه الآية.
والثالث : اتّقاء ما يجب تحريمه بعد هذه الآية [وهذا قول الأصمّ](١).
وثالثها : اتّقوا الكفر ثمّ الكبائر ، ثمّ الصّغائر.
ورابعها : قال القفّال (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : التّقوى الأولى عبارة عن الاتقاء من القدح في صحّة النّسخ ؛ وذلك لأنّ اليهود يقولون : النّسخ يدلّ على البداء ، فأوجب (٣) على المؤمنين عند سماع تحريم الخمر ، بعد أن كانت مباحة أن يتّقوا عن هذه الشّبهة الفاسدة.
والتقوى الثانية : الإتيان بالعمل المطابق لهذه الآية وهي الاحتراز عن شرب الخمر. والتقوى الثالثة : عبارة عن المداومة على التّقوى المذكورة في الأولى والثانية ، ثم يضمّ إلى هذه التّقوى الإحسان إلى الخلق.
وخامسها : أنّ المقصود من هذا التّكرير التّأكيد ، والمبالغة في الحثّ على الإيمان ، والتّقوى.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٧٠.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) في ب : فإذا وجب.