تحت ، وضم الدال ، «يسؤكم» بفتح الياء من تحت ، والفاعل ضمير عائد على ما يليق تقديره بالمعنى ، أي : إن يبد لكم جواب سؤالكم أو سؤلكم ، يسؤكم ، ولا جائز أن تعود على «أشياء» ؛ لأنه جار مجرى المؤنّث المجازيّ ، ومتى أسند فعل إلى ضمير مؤنّث مطلقا ، وجب لحاق العلامة على الصحيح ، ولا يلتفت لضرورة الشعر ، ونقل غيره عن الشعبيّ ؛ أنه قرأ (١) : «يبد لكم يسؤكم» بالياء من تحت فيهما ، إلا أنه ضمّ الياء الأولى وفتح الثانية ، والمعنى : إن يبد ـ أي يظهر ـ السؤال عنها ، يسؤكم ذلك السّؤال ، أي : جوابه ، أو هو ؛ لأنه سبب في ذلك والمبديه هو الله تعالى ، والضمير في «عنها» يحتمل أن يعود على نوع الأشياء المنهيّ عنها ، لا عليها أنفسها ، قاله ابن عطيّة (٢) ، ونقله الواحديّ عن صاحب «النّظم» ، ونظّره بقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢] يعني آدم ، «ثمّ جعلناه» قال «يعني ابن آدم» فعاد الضمير على ما دلّ عليه الأول ، ويحتمل أن يعود عليها أنفسها ، قاله الزمخشريّ (٣) بمعناه.
قوله : (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) في هذا الظرف احتمالان :
أظهرهما : أنه منصوب ب «تسألوا» ، قال الزمخشريّ : «وإن تسألوا عنها : عن هذه التكاليف الصعبة ، حين ينزّل القرآن : في زمان الوحي ، وهو ما دام الرسول بين أظهركم يوحى إليه تبد لكم تلك التكاليف التي تسؤكم وتؤمروا بتحمّلها ، فتعرّضوا أنفسكم لغضب الله ؛ لتفريطكم فيها» ، ومن هنا قلنا : إنّ الضمير في «عنها» عائد على الأشياء الأول ، لا على نوعها.
والثاني : أنّ الظرف منصوب ب «تبد لكم» ، أي : تظهر لكم تلك الأشياء حين نزول القرآن ، قال بعضهم : «في الكلام تقديم وتأخير ؛ لأنّ التقدير : عن أشياء ، إن تسألوا عنها ، تبد لكم حين نزول القرآن ، وإن تبد لكم ، تسؤكم» ، ولا شك أن المعنى على هذا الترتيب ، إلا أنه لا يقال في ذلك تقديم وتأخير ، فإنّ الواو لا تقتضي ترتيبا ، فلا فرق ، ولكن إنما قدّم هذا أولا على قوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا) ؛ لفائدة ، وهي الزجر عن السؤال ؛ فإنه قدّم لهم أنّ سؤالهم عن أشياء متى ظهرت ، أساءتهم قبل أن يخبرهم بأنهم إن سألوا عنها ، بدت لهم لينزجروا ، وهو معنى لائق.
قوله : (عَفَا اللهُ عَنْها) فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ جرّ ؛ لأنه صفة أخرى ل «أشياء» ، والضمير على هذا في «عنها» يعود على «أشياء» ، ولا حاجة إلى ادّعاء التقديم والتأخير في هذا ؛ كما قاله بعضهم ، قال : «تقديره : لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم إلى آخر الآية» ؛ لأنّ كلّا من الجملتين الشرطيتين وهذه الجملة صفة ل «أشياء» ، فمن أين أنّ هذه الجملة مستحقة للتقديم على ما
__________________
(١) وهو أبو حيان الأندلسي الذي نقل هذه القراءة عن الشعبي في البحر المحيط ٤ / ٣٥ ، وينظر الدر المصون ٢ / ٦١٨.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٦.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٣.