عباس (١) ، إلا أنه لم يذكر في آخرها ذكرا ، وقال بعضهم : «إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن ، نظر في الخامس : فإن كان ذكرا ، ذبحوه وأكلوه ، وإن كان أنثى ، شقوا أذنها وتركوها ترعى وترد ولا تركب ولا تحلب فهذه هي البحيرة» ، وروي هذا عن قتادة ، وقال بعضهم : «البحيرة : الأنثى التي تكون خامس بطن ؛ كما تقدم بيانه ، إلا أنها لا يحل للنساء لحمها ولا لبنها ، فإن ماتت حلت لهن» ، وقال بعضهم : «البحيرة : بنت السائبة» ، وسيأتي تفسير «السائبة» ، فإذا ولدت السائبة أنثى شقوا أذنها وتركوها مع أمها ترعى وترد ولا تحلب ولا تركب حتى للمعيي ، وهذا قول مجاهد ، وابن جبير ، وقال بعضهم : «هي التي منع درها ـ أي لبنها ـ لأجل الطواغيت ، فلا يحلبها أحد» وقال بهذا سعيد بن المسيب ، وقيل : هي التي تترك في المرعى بلا راع ، قاله ابن سيدة ، وقيل : إذا ولدت خمس إناث شقوا أذنها وتركوها.
نقل القرطبي عن الشافعي رحمهالله ، أنه قال : إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن إناث بحرت أذنها ، فحرمت ، قال : محرمة لا يطعم الناس لحمها وقال بعضهم ـ ويعزى لمسروق ـ : «إنها إذا ولدت خمسا ، أو سبعا ، شقوا أذنها» ، وقيل : «هي الناقة تلد عشرة أبطن ، فتشق أذنها طولا بنصفين ، وتترك ؛ فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء ، وإذا ماتت ، حل لحمها للرجال دون النساء» ، نقله ابن عطية (٢) ، وكذا قاله أبو القاسم الراغب (٣) ، وقيل : البحيرة السقب ، إذا ولد ، نحروا أذنه ، وقالوا : اللهم ، إن عاش ، فقني ، وإن مات ، فذكي ، فإذا مات ، أكلوه ، ووجه الجمع بين هذه الأقوال الكثيرة : أن العرب كانت تختلف أفعالها في البحيرة.
والسائبة قيل : كان الرجل إذا قدم من سفر أو شكر نعمة ، سيب بعيرا فلم يركب ويفعل به ما تقدم في البحيرة ، وهذا قول أبي عبيد ، وقيل : هي الناقة تنتج عشرة إناث ، قال القرطبي : ليس بينهن ذكر ؛ فلا تركب ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو ولد ، قاله الفراء (٤) ، وقيل : ما ترك لآلهتهم ، فكان الرجل يجيء بماشيته إلى السدنة ، فيتركه عندهم ويسيل لبنه ، وقيل : هي الناقة تترك ليحج عليها حجة ، ونقل ذلك عن الشافعي ، وقيل : هو العبد يعتق على ألا يكون عليه ولاء ، ولا عقل ولا ميراث قاله علقمة.
والسائبة هنا : فيها قولان :
أحدهما : أنها اسم فاعل على بابه ، من ساب يسيب ، أي يسرح ، كسيب الماء ، وهو مطاوع سيبته ، يقال : سيبته فساب وانساب.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٩٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٩٦) وزاد نسبته لا بن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٧.
(٣) ينظر : المفردات ٣٤.
(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٢٢.