والثاني : أنه بمعنى مفعول ؛ نحو : «عيشة راضية» ، ومجيء فاعل بمعنى مفعول قليل جدا ؛ نحو : «ماء دافق» ، والذي ينبغي أن يقال : إنه فاعل بمعنى ذي كذا ، أي : بمعنى النسب ، نحو قولهم : لابن ، أي : صاحب لبن ، ومنه في أحد القولين : «عيشة راضية ، وماء دافق» ، أي : ذات رضا ، وذو دفق ، وكذا هذا ، أي : ذات سيب.
والوصيلة هنا فعيلة بمعنى فاعلة على ما سيأتي تفسيره ، فدخول التاء قياس ، واختلف أهل اللغة فيها ، هل هي من جنس الغنم ، أو من جنس الإبل؟ ثم اختلفوا بعد ذلك أيضا ، فقال الفراء (١) : «هي الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين ، فإذا ولدت في آخرها عناقا وجديا ، قيل: وصلت أخاها ، فجرت مجرى السائبة» ، وقال الزجاج (٢) : «هي الشاة إذا ولدت ذكرا ، كان لآلهتهم ، وإذا ولدت أنثى ، كانت لهم» ، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «هي الشاة تنتج سبعة أبطن ، فإذا كان السابع أنثى ، لم تنتفع النساء منها بشيء ، إلا أن تموت فيأكلها الرجال والنساء ، وإن كانت ذكرا ذبحوه وأكلوه جميعا ، وإن كان ذكرا وأنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، فيتركونها معه لا تذبح ولا ينتفع بها إلا الرجال ، دون النساء ، فإن ماتت ، اشتركن مع الرجال فيها» (٣) ، وقال ابن قتيبة : إن كان السابع ذكرا ، ذبح وأكله الرجال ، دون النساء ، وقالوا : (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) [الأنعام : ١٣٩] وإن كانت أنثى ، تركت في الغنم ، وإن كان ذكرا وأنثى فكقول ابن عباس ، وقيل : «هي الشاة تنتج عشر إناث متواليات في خمسة أبطن ، ثم ما ولدت [بعد ذلك ، فللذكور دون الإناث» وبهذا قال أبو إسحاق ، وأبو عبيدة (٤) ، إلا أن أبا عبيدة قال : «وإذا ولدت] ذكرا وأنثى معا ، قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوه لمكانها» ، وقيل : هي الشاة تنتج خمسة أبطن أو ثلاثة ، فإن كان جديا ذبحوه ، وإن كان أنثى أبقوها ، وإن كان ذكرا وأنثى ، قالوا : وصلت أخاها ، هذا كله عند من يخصها بجنس الغنم ، وأما من قال : إنها من الإبل فقال : «هي الناقة تبتكر ، فتلد أنثى ، ثم تثني بولادة أنثى أخرى ، ليس بينهما ذكر ، فيتركونها لآلهتهم ، ويقولون : قد وصلت أنثى بأنثى ، ليس بينهما ذكر».
والحامي : اسم فاعل من حمى يحمي ، أي : منع ، واختلف فيه أهل اللغة ، فعن الفراء (٥) : «هو الفحل يولد لولد ولده ، فيقولون : قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يستعمل ولا يطرد عن ماء ولا شجر» ، وقال بعضهم : «هو الفحل ينتج من بين أولاده ذكورها وإناثها عشر إناث» ، روى ذلك ابن عطية (٦). وقال بعضهم : هو الفحل يولد من صلبه عشرة أبطن ، فيقولون قد حمى ظهره ، فيتركونه كالسائبة فيما تقدم ، وهذا قول ابن عباس
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٣٥.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٩٠) عن ابن عباس.
(٤) ينظر : مجاز القرآن ١ / ١٧٨.
(٥) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٢٢.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٤٨.