أحدها : روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس : أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لما قبل من أهل الكتاب الجزية ، من بعض الكفّار دون بعض ، نزلت هذه الآية (١) ، والمعنى : لا يضركم ملامة اللّائمين إذا كنتم على الهدى.
وثانيها : أنّ المؤمنين كان يشتدّ عليهم بقاء الكفّار على كفرهم وضلالتهم ، فقيل لهم : عليكم أنفسكم بإصلاحها ، والمشي بها في طريق الهدى ، لا يضرّكم ضلال الضّالّين ، ولا جهل الجاهلين.
وثالثها : أنّهم كانوا يغتمّون لعشائرهم لمّا ماتوا على الكفر ، فنهوا عن ذلك.
قال ابن الخطيب (٢) : والأقرب عندي ، أنّه تعالى لما حكى عن بعضهم أنّه إذا قيل لهم : (تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) بيّن تعالى بهذه الآية ، أنّه لا ينبغي للمؤمنين أن يتشبّهوا بهم في هذه الطّريقة الفاسدة ، بل ينبغي أن يصبروا على دينهم ، وأن يعلموا أنّه لا يضرّهم جهل أولئك.
فصل
روي عن أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال : يا أيّها النّاس ، إنّكم تقرؤون هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ النّاس إذا رأوا منكرا فلم يغيّروه ، يوشك أن يعمّهم الله بعقابه» (٣).
وفي رواية : «لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليسلّطنّ الله عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب ، ثمّ ليدعون الله خياركم فلا يستجاب لكم» (٤).
قال أبو عبيدة (٥) : خاف الصّدّيق أن يتأوّل النّاس الآية غير متأوّلها ، فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف ، فأعلمهم أنّها ليست كذلك ، وأنّ الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر ، هو الشّرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنّهم يتديّنون به ، وقد صولحوا عليه ، فأمّا الفسوق والعصيان والذّنب من أهل الإسلام ، فلا يدخل فيه.
وعن ابن مسعود (٦) قال في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم ، فإن ردّ عليكم فعليكم أنفسكم.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٢ / ٩٣) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٩٣.
(٣) أخرجه أبو داود ٤ / ١٢٢ ، كتاب الملاحم ، باب الأمر والنهي (٤٣٣٨) والترمذي ٤ / ٤٠٦ ، كتاب الفتن : باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر (٢١٦٨) ، وابن ماجه ٢ / ١٣٢٧ ، كتاب الفتن : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٤٠٠٥) ، وصححه ابن حبان وذكره الهيثمي في موارد الظمآن (٤٥٥) ، كتاب الفتن : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (١٨٣٧).
(٤) أخرجه الترمذي ٤ / ٤٠٦ ، كتاب الفتن : باب ما جاء في الأمر بالمعروف (٢١٦٩).
(٥) ينظر : البغوي ٢ / ٧٢.
(٦) في ب : ابن عباس.