يعتبر وصف قوله : (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، وإن كان مغايرا لقوله «من غيركم» ، كما لا يعتبر وصف الجنس في قولك : «عندي رجلان اثنان مسلمان وآخران كافران» ؛ إذ ليس من شرط «آخر» إذا تقدّم أن يكون من جنس الأول بقيد وصفه ، وعلى ما ذكرته جاء لسان العرب ؛ قال الشاعر : [البسيط]
٢٠٦٨ ـ كانوا فريقين يصفون الزّجاج على |
|
قعس الكواهل في أشداقها ضخم |
وآخرين ترى الماذيّ فوقهم |
|
من نسج داود أو ما أورثت إرم (١) |
التقدير : كانوا فريقين : فريقا ـ أو ناسا ـ يصفون الزجاج ، ثم قال : «وآخرين ترى الماذيّ ، ف «آخرين» من جنس قولك «فريقا» ، ولم يعتبره بوصفه بقول ه «يصفون الزجاج» ؛ لأنه قسّم من ذكر إلى قسمين متباينين بالوصف متحدين بالجنس» ، قال : «وهذا الفرق قلّ من يفهمه ؛ فضلا عمّن يعرفه».
وقوله : «أو» الظاهر أنها للتخيير ، وهو واضح على القول بأن معنى (مِنْ غَيْرِكُمْ) : من غير أقاربكم من المسلمين ، يعني : الموصي مخيّر بين أن يشهد اثنين من أقاربه ، أو من الأجانب المسلمين ، وقيل : «أو» للترتيب ، أي : لا يعدل عن شاهدين منكم إلا عند فقدهما ، وهذا لا يجيء إلا إذا قلنا : (مِنْ غَيْرِكُمْ) : من غير أهل ملّتكم.
قوله : (إِنْ أَنْتُمْ) «أنتم» مرفوع بمحذوف يفسّره ما بعده ، وهي مسألة الاشتغال ، والتقدير : إن ضربتم ، فلما حذف الفعل ، انفصل الضمير ، وهذا مذهب جمهور البصريّين ، وذهب الأخفش (٢) منهم والكوفيّون إلى جواز وقوع المبتدأ بعد «إن» الشرطيّة ؛ كما أجازوه بعد «إذا» أيضا ، ف «ضربتم» لا محلّ له عند الجمهور ؛ لكونه مفسّرا ، ومحلّه الرفع عند الكوفيين والأخفش ؛ لكونه خبرا ؛ ونحوه : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير : ١]. وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه قوله تعالى : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ) ، ولكنّ تقدير هذا الجواب يتوقّف على خلاف في هذا الشرط : هل هو قيد في أصل الشهادة ، أو قيد ف ي «آخران من غيرهم» فقط؟ بمعنى : أنه لا يجوز العدول في الشهادة على الوصيّة إلى أهل الذمة ، إلا بشرط الضرب في الأرض ، وهو السفر ، فإن قيل : هو شرط في أصل الشهادة ، فتقدير الجواب : إن ضربتم في الأرض ، فليشهد اثنان منكم أو من غيركم ، وإن كان شرطا في العدول إلى آخرين من غير الملّة ، فالتقدير : فأشهدوا آخرين من غيركم ، أو فالشاهد آخران من غيركم ، فقد ظهر أنّ الدّالّ على جواب الشرط : إمّا مجموع قوله : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ) .. إلى آخره» على القول الأوّل ، وإمّا (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) فقط على القول الثاني.
__________________
(١) البيتان لزهير. ينظر : ديوانه (٥١٨) ، البحر المحيط ٤ / ٤٦ ، الدر المصون ٢ / ٦٢٨.
(٢) ينظر : معاني القرآن ١ / ٢٤٦.