وقد فهم ممّا تقدّم أنّ الجملة من قوله «يقومان» والجارّ من قوله : (مِنَ الَّذِينَ) : إمّا مرفوع المحلّ صفة ل «آخران» أو خبر عنه ، وإمّا منصوبه على الحال : إمّا من نفس «آخران» ، أو من الضّمير المستكنّ في «آخران» ، ويجوز في قوله (مِنَ الَّذِينَ) أن يكون حالا من فاعل «يقومان».
قوله : «استحقّ» قرأ الجمهور «استحقّ» (١) مبنيّا للمفعول ، «الأوليان» رفعا ، وقرأ حفص عن عاصم (٢) : «استحقّ» مبنيّا للفاعل ، «الأوليان» كالجماعة ، وهي قراءة عبد الله بن عبّاس وأمير المؤمنين عليّ ـ رضي الله عنهم ـ ورويت عن ابن كثير أيضا ، وحمزة (٣) وأبو بكر عن عاصم : «استحقّ» مبنيّا للمفعول كالجماعة ، «الأوّلين» جمع «أوّل» جمع المذكر السّالم ، والحسن (٤) البصريّ : «استحقّ» مبنيّا للفاعل ، و «الأوّلان» مرفوعا تثنية «أوّل» ، وابن سيرين (٥) كالجماعة ، إلا أنه نصب الأوليين تثنية «أولى» ، وقرىء : «الأولين» بسكون الواو وفتح اللام ، وهو جمع «أولى» كالأعلين في جمع «أعلى» ، ولما وصل أبو إسحاق الزجاج (٦) إلى هذا الموضوع ، قال : «هذا موضع من أصعب ما في القرآن إعرابا». قال شهاب الدين : ولعمري ، إنّ القول ما قالت حذام ؛ فإن الناس قد دارت رؤوسهم في فكّ هذا التركيب ، وقد اجتهدت ـ بحمد الله تعالى ـ فلخّصت الكلام فيها أحسن تلخيص ، ولا بدّ من ذكر شيء من معاني الآية ؛ لنستعين به على الإعراب ؛ فإنه خادم لها.
فأمّا قراءة الجمهور ، فرفع «الأوليان» فيها أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ ، وخبره «آخران» ، تقديره : فالأوليان بأمر الميّت آخران ، وتقدّم شرح هذا.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هما الأوليان ؛ كأنّ سائلا يسأل فقال : «من الآخران»؟ فقيل : هما الأوليان.
الثالث : أنه بدل من «آخران» ، وهو بدل في معنى البيان للمبدل منه ؛ نحو : «جاء زيد أخوك» وهذا عندهم ضعيف ؛ لأنّ الإبدال بالمشتقّات قليل.
الرابع : أنه عطف بيان ل «آخران» بيّن الآخرين بالأوليين ، فإن قلت : شرط عطف
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، والحجة ٣ / ٢٦٠ ، ٢٦١ ، وحجة القراءات ٢٣٨ ، والعنوان ٨٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، وشرح شعلة ٣٥٥ وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٧ ، وإتحاف ١ / ٥٤٣.
(٢) ورويت عن أبيّ كما في البحر المحيط ٤ / ٤٩ ، وينظر : الدر المصون ٢ / ٦٣٤.
(٣) ينظر : التخريجات السابقة على القراءة.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٩ ، والدر المصون ٢ / ٦٣٤.
(٥) ينظر : السابق.
(٦) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٣٩.