البيان : أن يكون التابع والمتبوع متفقين في التعريف والتنكير ، على أنّ الجمهور على عدم جريانه في النكرة ؛ خلافا لأبي عليّ ، و «آخران» نكرة ، و «الأوليان» معرفة ، قلت : هذا سؤال صحيح ، ولكن يلزم الأخفش ، ويلزم الزمخشريّ جوازه : أمّا الأخفش (١) فإنه يجيز أن يكون «الأوليان» صفة ل «آخران» بما سأقرره عنه عند تعرّضي لهذا الوجه ، والنعت والمنعوت يشترط فيهما التوافق ، فإذا جاز في النعت ، جاز فيما هو شبيه به ؛ إذ لا فرق بينهما إلا اشتراط الاشتقاق في النعت ، وأمّا الزمخشريّ ، فإنه لا يشترط ذلك ـ أعني التوافق ـ وقد نصّ عليه هو في سورة آل عمران على أن قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] عطف بيان ؛ لقوله (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) ، و (آياتٌ بَيِّناتٌ) نكرة ؛ لكنها لمّا تخصّصت بالوصف ، قربت من المعرفة ، كما تقدّم عنه في موضعه ، وكذا «آخران» قد وصف بصفتين ، فقربه من المعرفة أشدّ من (آياتٌ بَيِّناتٌ) ؛ من حيث وصفت بصفة واحدة.
الخامس : أنه بدل من فاعل «يقومان».
السادس : أنه صفة ل «آخران» ، أجاز ذلك الأخفش (٢) ، وقال أبو عليّ : «وأجاز أبو الحسن فيها شيئا آخر ، وهو أن يكون «الأوليان» صفة ل «آخران» ؛ لأنه لمّا وصف ، تخصّص ، فمن أجل وصفه وتخصيصه ، وصف بوصف المعارف» ، قال أبو حيان (٣) : «وهذا ضعيف ؛ لاستلزامه هدم ما كادوا أن يجمعوا عليه ؛ من أنّ النكرة لا توصف بالمعرفة ، ولا العكس» ، قلت : لا شكّ أن تخالفهما في التعريف والتنكير ضعيف ، وقد ارتكبوا ذلك في مواضع ، فمنها ما حكاه الخليل : «مررت بالرّجل خير منك» في أحد الأوجه في هذه المسألة ، ومنها (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] على القول بأنّ «غير» صفة (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، وقوله : [الكامل]
٢٠٧٣ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (٤) |
وقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] ، على أنّ «يسبّني» و «نسلخ» صفتان لما قبلهما ؛ فإنّ الجمل نكرات ، وهذه المثل التي أوردتها عكس ما نحن فيه ، فإنها تؤوّل فيها المعرفة بالنكرة ، وما نحن فيه جعلنا النكرة فيه كالمعرفة ؛ إلّا أنّ الجامع بينهما التخالف ، ويجوز أن يكون ما نحن فيه من هذه المثل ؛ باعتبار أنّ «الأوليين» لمّا لم يقصد بهما شخصان معينان ، قربا من النكرة ، فوقعا صفة لها مع تخصّصها هي ؛ فصار في ذلك مسوّغان : قرب النكرة من المعرفة بالتخصيص ، وقرب المعرفة من النكرة بالإبهام ؛ ويدلّ لما قلته ما قال أبو البقاء (٥) : «والخامس أن يكون صفة
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٢٦٦.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٩.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.