ل «آخران» ؛ لأنه وإن كان نكرة ، فقد وصف ، والأوليان لم يقصد بهما قصد اثنين بأعيانهما».
السابع : أنه مرفوع على ما لم يسمّ فاعله ب «استحقّ» ، إلّا أنّ كلّ من أعربه كذا ، قدّر قبله مضافا محذوفا ، واختلفت تقديرات المعربين ، فقال مكي (١) : «تقديره : استحقّ عليهم إثم الأوليين» ، وكذا أبو البقاء (٢) وقد سبقهما إلى هذا التقدير ابن جرير الطّبريّ ، وقدّره الزمخشريّ (٣) فقال : «من الّذين استحقّ عليهم انتداب الأوليين منهم للشّهادة لاطّلاعهم على حقيقة الحال» ، وممّن ذهب إلى ارتفاع «الأوليان» ب «استحقّ» أبو عليّ الفارسيّ ، ثم منعه ؛ قال : «لأنّ المستحقّ إنّما يكون الوصيّة أو شيئا منها ، وأمّا الأوليان بالميّت ، فلا يجوز أن يستحقّا ، فيسند استحقّ إليهما» ، قلت : إنما منع أبو عليّ ذلك على ظاهر اللفظ ؛ فإنّ الأوليين لم يستحقّهما أحد كما ذكر ، ولكن يجوز أن يسند «استحقّ» إليهما ؛ بتأويل حذف المضاف المتقدّم ، وهذا [الذي] منعه الفارسيّ ظاهرا هو الذي حمل النّاس على إضمار ذلك المضاف ، وتقدير الزمخشريّ ب «انتداب الأوليين» أحسن من تقدير غيره ؛ فإنّ المعنى يساعده ، وأمّا إضمار «الإثم» فلا يظهر إلا بتأويل بعيد.
وأجاز ابن عطيّة (٤) أن يرتفع «الأوليان» ب «استحقّ» أيضا ، ولكن ظاهر عبارته ؛ أنه لم يقدّر مضافا ؛ فإنه استشعر باستشكال الفارسيّ المتقدّم ، فاحتال في الجواب عنه ، وهذا نصّه ، قال ما ملخّصه : إنّه «حمل «استحقّ» هنا على الاستعارة ؛ فإنه ليس استحقاقا حقيقة ؛ لقوله : «استحقّا إثما» ، وإنما معناه أنّهم غلبوا على المال بحكم انفراد هذا الميّت وعدمه ؛ لقرابته أو أهل دينه ؛ فجعل تسوّرهم عليه استحقاقا ـ مجازا ، والمعنى : من الجماعة التي غابت ، وكان من حقّها أن تحضر وليّها ، فلمّا غابت وانفرد هذا الموصي ، استحقّت هذه الحال ، وهذان الشاهدان من غير أهل الدّين والولاية ، وأمر الأوليين على هذه الجماعة ، فبني الفعل للمفعول على هذا المعنى إيجازا ، ويقوّي هذا الفرض تعدّي الفعل ب «على» لمّا كان باقتدار وحمل ، هيّأته الحال ، ولا يقال : استحقّ منه أو فيه إلّا في الاستحقاق الحقيقيّ على وجهه ، وأمّ ا «استحق عليه» فبالحمل والغلبة والاستحقاق المستعار». انتهى ، فقد أسند «استحقّ» إلى «الأوليان» من غير تقدير مضاف متأوّلا له بما ذكر ، واحتملت طول عبارته ؛ لتتّضح.
واعلم أنّ مرفوع «استحقّ» في الأوجه المتقدّمة ـ أعني غير هذا الوجه ، وهو إسناده إلى «الأوليان» ـ ضمير يعود على ما تقدّم لفظا أو سياقا ، واختلفت عباراتهم فيه ، فقال الفارسيّ ، والحوفيّ ، وأبو البقاء (٥) والزمخشريّ : إنه ضمير الإثم ، والإثم قد تقدّم في
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٥٢.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٦٨٩.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٥٥.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٠.