قوله : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) تقدّم الكلام في اشتقاق هذه المفردات ومعانيها ، و (ابْنَ مَرْيَمَ) صفة ل «عيسى» نصب ؛ لأنه مضاف ، وهذه قاعدة كلية مفيدة ، وذلك أنّ المنادى المفرد المعرفة الظاهر الضّمّة ، إذا وصف ب «ابن» أو «ابنة» ، ووقع الابن أو الابنة بين علمين أو اسمين متفقين في اللفظ ، ولم يفصل بين الابن وبين موصوفه بشيء ، تثبت له أحكام منها : أنه يجوز إتباع المنادى المضموم لحركة نون «ابن» ؛ فيفتح ؛ نحو : «يا زيد ابن عمرو ، ويا هند ابنة بكر» بفتح الدال من «زيد» و «هند» وضمّها ، فلو كانت الضمة مقدّرة نحو ما نحن فيه ، فإنّ الضمة مقدّرة على ألف «عيسى» فهل يقدّر بناؤه على الفتح إتباعا كما في الضمّة الظاهرة؟ فيه خلاف : الجمهور على عدم جوازه ؛ إذ لا فائدة في ذلك ، فإنه إنما كان للإتباع ، وهذا المعنى مفقود في الضمّة المقدرة ، وأجاز الفراء (١) ذلك ؛ إجراء للمقدّر مجرى الظاهر ، وتبعه أبو البقاء (٢) ؛ فإنه قال : «يجوز أن يكون على الألف من «عيسى» فتحة ؛ لأنه قد وصف ب «ابن» وهو بين علمين ، وأن يكون عليها ضمّة ، وهو مثل قولك : «يا زيد بن عمرو» بفتح الدال وضمّها» ، وهذا الذي قالاه غير بعيد ، ويشهد له مسألة عند الجميع : وهو ما إذا كان المنادى مبنيّا على الكسر مثلا ؛ نحو : «يا هؤلاء» ، فإنهم أجازوا في صفته الوجهين : الرفع والنصب ، فيقولون : «يا هؤلاء العقلاء والعقلاء» بنصب العقلاء ورفعها ، قالوا : والرفع مراعاة لتلك الضمة المقدّرة على «هؤلاء» ، فإنه مفرد معرفة ، والنصب على محلّه ، فقد اعتبروا الضمة المقدّرة في الإتباع ، وإن كان ذلك فائتا في اللفظ ، وقد يفرّق بأنّ «هؤلاء» نحن مضطّرون فيه إلى تقدير تلك الحركة ؛ لأنه مفرد معرفة ، فكأنها ملفوظ بها بخلاف تقدير الفتحة هنا.
وقال الواحديّ في «يا عيسى» ويجوز أن [يكون] في محلّ النصب ؛ لأنه في نية الإضافة ، ثم جعل الابن توكيدا له ، وكل ما كان مثل هذا ؛ جاز فيه الوجهان ؛ نحو : «يا زيد بن عمرو» ؛ وأنشد : [الرجز]
٢٠٨٣ ـ يا حكم بن المنذر بن الجارود |
|
أنت الجواد ابن الجواد ابن الجود |
سرادق المجد عليك ممدود (٣) |
بنصب الأول ورفعه على ما بيّنّا ، وقال التبريزيّ : الأظهر عندي أنّ موضع «عيسى» نصب ؛ لأنك تجعل الاسم مع نعته إذا أضفته إلى العلم كالشيء الواحد المضاف ، وهذا الذي قالاه لا يشبه كلام النحاة أصلا ، بل يقولون : الفتحة للإتباع ، ولم يعتدّ بالساكن ؛ لأنه حاجز غير حصين ، كذا قال أبو حيان. قال شهاب الدين (٤) : الذي قد قاله الزمخشريّ ـ وكونه ليس من النحاة مكابرة في الضّروريّات ـ عند قوله : «إذ قال
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٢٦.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣١.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٤٥.