قوله : (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
قرأ الأخوان (١) هنا وفي هود [الآية ٧] وفي الصّف [الآية ٦] «إلّا ساحر» اسم فاعل ، والباقون : «إلّا سحر» مصدرا في الجميع ، والرسم يحتمل القراءتين ، فأمّا قراءة الجماعة ، فتحتمل أن تكون الإشارة إلى ما جاء به من البيّنات ، أي : ما هذا الذي جاء به من الآيات الخوارق إلا سحر ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ جعلوه نفس السحر مبالغة ؛ نحو : «رجل عدل» ، أو على حذف مضاف ، أي : إلّا ذو سحر ، وخصّ مكي (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ هذا الوجه بكون المراد بالمشار إليه محمدا صلىاللهعليهوسلم فقال : «ويجوز أن تكون إشارة إلى النبيّ محمد صلىاللهعليهوسلم على تقدير حذف مضاف ، أي : إن هذا إلّا ذو سحر». قال شهاب الدين (٣) : وهذا غير جائز ، والمراد بالمشار إليه عيسى عليهالسلام ، وكيف يكون المراد النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو لم يكن في زمن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ والحواريّين ؛ حتى يشيروا إليه إلا بتأويل بعيد؟ وأمّا قراءة الأخوين ، فتحتمل أن يكون «ساحر» اسم فاعل ، والمشار إليه «عيسى» ، ويحتمل أن يكون المراد به المصدر ؛ كقولهم : عائذا بك وعائذا بالله من شرّها ، والمشار إليه ما جاء به عيسى من البيّنات والإنجيل ، ذكر ذلك مكي (٤) ، وتبعه أبو البقاء (٥) ، إلا أنّ الواحديّ منع من ذلك ؛ فقال ـ بعد أن حكى القراءتين ـ : وكلاهما حسن ؛ لاستواء كلّ واحد منهما في أنّ ذكره قد تقدّم ، غير أنّ الاختيار «سحر» ؛ لجواز وقوعه على الحدث والشّخص ، أمّا وقوعه على الحدث ، فسهل كثير ، ووقوعه على الشخص يريد ذو سحر ؛ كقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) [البقرة : ١٧٧] ، وقالوا : «إنما أنت سير» و «ما أنت إلا سير» ، و [البسيط]
٢٠٨٥ ـ ................ |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار (٦) |
قلت : وهذا يرجّح ما قدّمته من أنه أطلق المصدر على الشخص ؛ مبالغة ؛ نحو : «رجل عدل» ، ثم قال : «ولا يجوز أن يراد بساحر السّحر ، وقد جاء فاعل يراد به المصدر في حروف ليست بالكثير ، نحو : «عائذا بالله من شرّه» ، أي : عياذا ، ونحو «العافية» ولم تصر هذه الحروف من الكثرة بحيث يسوغ القياس عليها».
وإن قيل : إنّه ـ تعالى ـ عدّد هنا نعم الله تعالى على عيسى ـ عليهالسلام ـ ، وقول الكفّار في حقه (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، ليس من النّعم ، فكيف ذكره هنا؟.
فالجواب إنّ كلّ ذي نعمة محسود ، فطعن الكفّار في عيسى ـ عليهالسلام ـ بهذ
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٤٩ ، والحجة ٣ / ٢٧٠ ، وحجة القراءات ٢٣٩ ، والعنوان ٨٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٥٠ ، وشرح شعلة ٣٥٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، وإتحاف ١ / ٥٤٥.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٥٣.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٤٧.
(٤) ينظر : المشكل ١ / ٢٥٣.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٢.
(٦) تقدم برقم (١٠٤٨ ب).