وإن كان ضعيفا ـ عن ثابت عن أنس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاد أبا طالب في مرض ، فقال : يا ابن أخي ، ادع ربّك الذي تعبده فيعافيني ، فقال : اللهمّ اشف عمّي ، فقام أبو طالب ، كأنما نشط من عقال ، فقال : يا ابن أخي ، إنّ ربّك الذي تعبد ليطيعك ، قال : وأنت يا عمّاه ، لو أطعته ، أو : لئن أطعت الله ، ليطيعنّك ، أي : ليجيبنّك إلى مقصودك (١) ، قال شهاب الدين (٢) : والذي حسّن ذلك المقابلة منه صلىاللهعليهوسلم للفظ عمّه ، كقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] وقيل : التقدير : هل يطيع؟ فالسين زائدة ؛ كقولهم : استجاب وأجاب ، قال : [الطويل]
٢٠٨٦ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٣) |
وبهذه الأجوبة يستغنى عن قول من قال : «إنّ «يستطيع» زائدة» ، والمعنى : هل ينزّل ربّك ؛ لأنّه لا يزاد من الأفعال إلّا [«كان» بشرطين ، وشذّ زيادة غيرها في مواضع عددتها في غير هذا الكتاب ، على أنّ الكوفيّين يجيزون زيادة بعض الأفعال] مطلقا ، حكوا : «قعد فلان يتهكّم بي» ؛ وأنشدوا : [الوافر]
٢٠٨٧ ـ على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرّغ في رماد (٤) |
وحكى البصريّون على وجه الشّذوذ : «ما أصبح أبردها ، وما أمسى أدفأها» يعنون الدّنيا.
قال ابن الخطيب (٥) : وأمّا القراءة الثّانية ففيها إشكال ، وهو أنّه تعالى حكى عنهم أنّهم قالوا : «آمنا واشهد بأنا مسلمون» ، وبعد الإيمان كيف يجوز أن يقال : إنهم بقوا شاكّين في اقتدار الله على ذلك؟.
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أنّه ـ تبارك وتعالى ـ ما وصفهم بالإيمان والإسلام ، بل حكى عنهم ادّعاءهم لهما ، ثمّ تبع ذلك بقوله ـ حكاية عنهم ـ «هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السّماء»؟ فدلّ ذلك على أنّهم كانوا شاكّين متوقّفين ، فإنّ هذا اللّفظ لا يصدر ممّن كان كاملا في الإيمان.
وقالوا : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) ، وهذا يدلّ على مرض في القلب ، وكذا قول عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهم : (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، يدلّ على أنّهم ما كانوا كاملين في الإيمان.
__________________
(١) أخرجه الحاكم (١ / ٥٤٢) والخطيب (٨ / ٣٧٧) والبيهقي في دلائل النبوة (٦ / ١٨٤) من طريق الهيثم بن ثابت عن أنس وسكت عنه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله : قلت : الهيثم تركوه.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٤٩.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ١٠٧.