قوله : «سبحانك» أي : تنزيها لك ، وتقدّم الكلام عليه في البقرة [الآية : ٣٢] ، ومتعلّقه محذوف ، فقدّره الزمخشريّ (١) : «سبحانك من أن يكون لك شريك» ، وقدّره ابن عطية (٢) : «عن أن يقال هذا ، وينطق به» ورجّحه أبو حيان (٣) ـ رضي الله عنه ـ لقوله بعد : «ما يكون لي أن أقول». قوله : «أن أقول» في محلّ رفع ؛ لأنه اسم «يكون» ، والخبر في الجارّ قبله ، أي : ما ينبغي لي قول كذا ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة ، والجملة بعدها صلة ؛ فلا محلّ لها ، أو صفة ؛ فمحلّها النصب ، فإنّ «ما» منصوبة ب «أقول» نصب المفعول به ؛ لأنها متضمّنة لجملة ، فهو نظير «قلت كلاما» ، وعلى هذا فلا يحتاج أن يؤوّل «أقول» بمعنى «أدّعي» أو «أذكر» ، كما فعله أبو البقاء (٤) رحمهالله وفي «ليس» ضمير يعود على ما هو اسمها ، وفي خبرها وجهان :
أحدهما : أنه «لي» ، أي : ما ليس مستقرّا لي وثابتا ، وأمّا «بحقّ» على هذا ، ففيه ثلاثة أوجه ، ذكر أبو البقاء (٥) منها وجهين :
أحدهما : أنه حال من الضمير في «لي».
قال : والثاني : أن يكون مفعولا به ، تقديره : ما ليس يثبت لي بسبب حقّ ، والباء متعلّقة بالفعل المحذوف ، لا بنفس الجارّ ؛ لأنّ المعاني لا تعمل في المفعول به. قال شهاب الدين (٦) : وهذا ليس بجيّد ؛ لأنه قدّر متعلّق [الخبر كونا مقيّدا ، ثم حذفه ، وأبقى معموله.
الوجه الثالث : أنّ قوله «بحقّ» متعلق] بقوله : «علمته» ، ويكون الوقف على هذا على قوله «لي» ، والمعنى : فقد علمته بحقّ ، [وقد ردّ] هذا بأنّ الأصل عدم التقديم والتأخير ، وهذا لا ينبغي أن يكتفى به في ردّ هذا ، بل الذي منع من ذلك : أنّ معمول الشرط أو جوابه لا يتقدّم على أداة الشرط ، لا سيّما والمرويّ عن الأئمة القرّاء الوقف على «بحقّ» ، ويبتدئون ب (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ) ، وهذا مرويّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجب اتّباعه.
والوجه الثاني في خبر «ليس» : أنه «بحقّ» ، وعلى هذا ، ففي «لي» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه «يتبيّن» ؛ كما في قولهم : «سقيا له» ، أي : فيتعلّق بمحذوف.
والثاني : أنه حال من «بحقّ» ؛ لأنه لو تأخّر ، لكان صفة له ، قال أبو البقاء (٧) : «وهذا مخرّج على قول من يجوّز تقديم حال المجرور عليه» [قلت : قد تقدّم لك خلاف النّاس فيه] ، وما أوردوه من الشواهد ، وفيه أيضا تقديم الحال على عاملها المعنويّ ، فإنّ
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٩٤.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٢.
(٣) ينظر البحر ٤ / ٦٣.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٣.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٥٦.
(٧) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٣٣.