وقد ردّ أبو حيّان [هذا الوجه : بأنّه يلزم منه تقييد كونهم قوّامين بحال الشّهادة ، وهم مأمورون بذلك مطلقا](١).
وهذا الردّ ليس بشيء ؛ فإن هذا المعنى نحا إليه ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ قال : كونوا قوّامين بالعدل في الشّهادة على من كانت (٢) ، وهذا هو معنى الوجه الصّائر إلى جعل شهداء حالا.
الثالث : أن يكون صفة ل «قوّامين» ، ومعنى قوله : «لله» أي : لذات الله ، ولوجهه ولمرضاته ، وثوابه.
قوله : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) «لو» هذه تحتمل أن تكون على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها محذوف ، أي : ولو كنتم شهداء على أنفسكم ، لوجب عليكم أن تشهدوا عليها.
وأجاز أبو حيّان أن تكون بمعنى : «إن» الشّرطيّة ، ويتعلّق قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) بمحذوف ، تقديره : وإن كنتم شهداء على أنفسكم ، فكونوا شهداء لله ، هذا تقدير الكلام ، وحذف «كان» بعد «لو» كثير ، تقول : ائتني بتمر ، ولو حشفا ، أي : وإن كان التّمر حشفا ، فأتني به. انتهى.
وهذا لا ضرورة تدعو إليه ، ومجيء «لو» بمعنى : «إن» شيء أثبته بعضهم على قلّة ، فلا ينبغي أن يحمل القرآن عليه.
وقال ابن عطيّة (٣) : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) متعلّق ب «شهداء».
قال أبو حيان (٤) «فإن عنى ب «شهداء» الملفوظ به ، فلا يصحّ ، وإن عنى به ما قدّرناه نحن ، فيصحّ» يعني : تقديره : «لو» بمعنى : «إن» وحذف «كان» ، واسمها ، وخبرها بعد «لو» ، وقد تقدّم أن ذلك قليل ، فلم يبق إلا أنّ ابن عطيّة يريد «شهداء» محذوفة ؛ كما قدّرته لك أولا ، نحو : «ولو كنتم شهداء» على أنفسكم ، لوجب عليكم أن تشهدوا.
وقال الزّمخشريّ (٥) : «ولو كانت الشّهادة على أنفسكم» فجعل «كان» مقدّرة وهي تحتمل في تقديره التّمام والنّقصان : فإن قدّرتها تامة ، كان قوله (عَلى أَنْفُسِكُمْ) متعلّقا بنفس الشّهادة ، ويكون المعنى : «ولو وجدت الشهادة على أنفسكم» وإن قدّرتها ناقصة ، فيجوز أن يكون (عَلى أَنْفُسِكُمْ) متعلّقا بمحذوف على أنّه خبرها ، ويجوز أن يكون متعلّقا بنفس الشّهادة ، وحينئذ يكون الخبر مقدّرا ، والمعنى : «ولو كانت الشهادة على أنفسكم موجودة» إلا أنّه يلزم من جعلنا (عَلى أَنْفُسِكُمْ) متعلّقا بالشّهادة ، حذف المصدر وإبقاء
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : البحر المحيط «لأبي حيان» (٣ / ٣٨٤).
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٨٤.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٥٧٥.