معموله ، وهو قليل أو ممتنع ، وقال أيضا : «ويجوز أن يكون المعنى : وإن كانت الشّهادة على أنفسكم».
وردّ عليه [أبو حيّان](١) هذين الوجهين فقال : «وتقديره : ولو كانت الشّهادة على أنفسكم ليس بجيّد ؛ لأن المحذوف إنما يكون من جنس الملفوظ به ؛ ليدلّ عليه ، فإذا قلت : «كن محسنا ، ولو لمن أساء إليك» ، فالتقدير : ولو كنت محسنا لمن أساء ، ولو قدّرته : «ولو كان إحسانك» لم يكن جيّدا ؛ لأنك تحذف ما لا دلالة عليه بلفظ مطابق».
وهذا الردّ ليس بشيء ، فإن الدّلالة اللّفظيّة موجودة ؛ لاشتراك المحذوف والملفوظ به في المادّة ، ولا يضرّ اختلافهما في النّوع.
وقال في الوجه الثاني : «وهذا لا يجوز ؛ لأن ما تعلّق به الظّرف كون مقيد ، والكون المقيّد لا يجوز حذفه ، بل المطلق ، لو قلت : كان زيد فيك ، تعني : محبّا فيك ، لم يجز».
وهذا الردّ أيضا ليس بشيء ؛ لأنه قصد تفسير المعنى ، ومبادىء النّحو لا تخفى على آحاد الطّلبة ، فكيف بشيخ الصّناعة.
فصل
شهادة الإنسان على نفسه لها تفسيران :
أحدهما : أن يقرّ على نفسه ؛ لأن الإقرار كالشهادة في كونه موجبا إلزام الحقّ.
الثاني : أن يكون المراد : ولو كانت الشّهادة وبالا على أنفسكم ، أو على الوالدين والأقربين ، فأقيموها عليهم ، ولا تحابوا (٢) غنيّا لغناه ، ولا ترحموا فقيرا لفقره ، وهو قوله : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) أي : أقيموا على المشهود عليه وإن كان غنيّا وللمشهود له وإن كان فقيرا ، فالله أولى بهما منكم ، أي : كلوا أمرهم إلى الله ـ تعالى ـ.
وقال الحسن : الله أعلم بهما (٣).
قال القرطبيّ (٤) : «قوّامين» بناء مبالغة ، أي : ليتكرّر (٥) منكم القيام بالقسط وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم ، وشهادة المرء على نفسه : إقراره بالحقوق عليها ، ثم ذكر الوالدين ؛ لوجوب (٦) برّهما ، وعظم قدرهما ، ثم أتى بالأقربين ؛ إذ هم مظنّة المودّة والتّعصّب ، وجاء الأجنبيّ الآخر ؛ لأنه أحرى أن يقوم [عليه](٧) بالقسط.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٨٤.
(٢) في ب : تخافوا.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٨٩.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٦٣.
(٥) في أ : ليكون.
(٦) في ب : لوجود.
(٧) سقط في ب.