أن المنقطع قسمان : قسم يتوجّه إليه العامل ؛ نحو : «ما فيها أحد إلّا حمار» فهذا فيه لغتان : لغة الحجاز وجوب النصب ، ولغة تميم جواز البدل ، وإن لم يتوجه عليه العامل ، وجب نصبه عند الجميع ؛ نحو : «المال ما زاد إلّا النّقص» ، أي : لكن حصل له النقص ، ولا يجوز فيه البدل ؛ لأنك لو وجهت إليه العامل ، لم يصحّ» ، قال : والآية من هذا القسم ؛ لأنك لو قلت : «لا يحب الله أن يجهر بالسوء إلا الظالم» ـ فتسلط «يجهر» على «الظّالم» [فتسليط يجهر على الظالم يصح]. قال : «وهذا الذي جوّزه ـ يعني الزمخشريّ ـ لا يجوز ؛ لأنه لا يمكن أن يكون الفاعل لغوا ، ولا يمكن أن يكون الظالم بدلا من «الله» ، ولا «عمرو» بدلا من «زيد» ؛ لأنّ البدل في هذا الباب يرجع إلى بدل بعض من كلّ حقيقة ؛ نحو : «ما قام القوم إلّا زيد» ، أو مجازا ؛ نحو : «ما فيها أحد إلّا حمار» ، والآية لا يجوز فيها البدل حقيقة ، ولا مجازا ، وكذا المثال المذكور ؛ لأن الله تعالى علم ، وكذا زيد ، فلا عموم فيهما ؛ ليتوهّم دخول شيء فيهما فيستثنى ، وأمّا ما يجوز فيه البدل من الاستثناء المنقطع ؛ فلأنّ ما قبله عامّ يتوهّم دخوله فيه ، فيبدل ما قبله مجازا ، وأمّا قوله على لغة من يقول : «ما جاءني زيد إلا عمرو» ، فلا نعلم هذه لغة إلا في كتاب سيبويه (١) ، بعد أن أنشد أبياتا في الاستثناء المنقطع آخرها : [الطويل]
١٨٩٨ ـ عشيّة ما تغني الرّماح مكانها |
|
ولا النّبل إلّا المشرفيّ المصمّم (٢) |
[ما نصّه :] «وهذا يقوّي : «ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلّا إخوانه» ؛ لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا بعضها» ولم يصرّح ، ولا لوّح أن «ما أتاني زيد إلّا عمرو» من كلام العرب ، قال من شرح كلام سيبويه : فهذا يقوّي «ما أتاني زيد إلا عمرو» ، أي : ينبغي أن يثبت هذا من كلام العرب ؛ لأن النبل معرفة ليس بالمشرفيّ ، كما أن زيدا ليس بعمرو ، كما أنّ إخوة زيد ليسوا إخوتك ، قال أبو حيان : «وليس «ما أتاني زيد إلّا عمرو» نظير البيت ؛ لأنّه قد يتخيّل عموم في البيت ؛ إذ المعنى : لا يغني السلاح ، وأمّا «زيد» فلا يتوهّم فيه عموم ؛ على أنه لو ورد من كلامهم : «ما أتاني زيد إلّا عمرو» ، لأمكن أن يصحّ على «ما أتاني زيد ولا غيره إلّا عمرو» ، فحذف المعطوف ؛ لدلالة الاستثناء عليه ، أمّا أن يكون على إلغاء الفاعل ، أو على كون «عمرو» بدلا من «زيد» ، فإنه لا يجوز ، وأمّا الآية فليست ممّا ذكر ؛ لأنه يحتمل أن تكون «من» مفعولا بها ، و «الغيب» بدل منها بدل اشتمال ، والتقدير : لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلّا الله ، أي : سرّهم وعلانيتهم لا يعلمهم إلا
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ٣٦٦.
(٢) البيت لضرار بن الأزور ينظر تذكرة النحاة ص ٣٣٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢٨ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٠٩ ، وللحصين بن الحمام برواية (المصمما) مكان (المصم) في شرح اختيارات المفضل ١ / ٣٢٩ ، وينظر شرح الأشموني ١ / ٢٩٩ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ والدر المصون ٢ / ٤٥٢.