وقيل : هو مستثنى مفرّغ ، فتكون «من» في محلّ رفع بالفاعلية ؛ كما تقدّم في كلام أبي حيان ، والتفريغ لا يكون إلا في نفي أو شبهه ، ولكن لمّا وقع الجهر متعلّقا للحبّ الواقع في حيّز النفي ساغ ذلك ، وقيل : هو مستثنى من الجهر ؛ على حذف مضاف ، تقديره : إلا جهر من ظلم ، فهذه ثلاثة أوجه على تقدير كونه متّصلا ، تحصّل منها في محل «من» أربعة أوجه : الرفع من وجهين ، وهما البدل من «أحد» المقدّر ، أو الفاعليّة ؛ على كونه مفرّغا ، والنصب ؛ على أصل الاستثناء من «أحد» المقدّر ، أو من الجهر ؛ على حذف مضاف.
والثاني : أنه استثناء منقطع ، تقديره : لكن من ظلم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازي ظلامته ، فتكون «من» في محلّ نصب فقط على الاستثناء المنقطع.
والجمهور على (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) مبنيا للمفعول قال القرطبي : ويجوز إسكان اللّام ، وقرأ(١) جماعة كثيرة منهم ابن عبّاس وابن عمر وابن جبير والضحاك وزيد بن أسلم والحسن : «ظلم» مبنيّا للفاعل ، وهو استثناء منقطع ، فهو في محلّ نصب على أصل الاستثناء المنقطع ، واختلفت عبارات العلماء في تقدير هذا الاستثناء ، وحاصل ذلك يرجع إلى أحد تقديرات ثلاثة : إمّا أن يكون راجعا إلى [الجملة الأولى ؛ كأنه قيل : لا يحبّ الله الجهر بالسوء ، لكنّ الظالم يحبّه ، فهو يفعله ، وإما أن يكون راجعا] إلى فاعل الجهر ، أي : لا يحبّ الله أن يجهر أحد بالسّوء [لأحد] ، لكن الظالم يجهر به ، [وإمّا أن يكون راجعا إلى متعلّق الجهر ، وه و «من يجاهر ويواجه بالسوء» ، أي : لا يحبّ الله أن يجهر بالسّوء لأحد ، لكن الظّالم يجهر له به] ، أي : يذكر ما فيه من المساوىء في وجهه ، لعلّه أن يرتدع ، وكون هذا المستثنى في هذه القراءة منصوب المحلّ على الانقطاع هو الصحيح ، وأجاز ابن عطية والزمخشريّ أن يكون في محلّ رفع على البدلية ، ولكن اختلف مدركهما.
فقال ابن عطية (٢) : «وإعراب «من» يحتمل في بعض هذه التأويلات النّصب ، ويحتمل الرفع على البدل من «أحد» المقدّر» يعني أحدا المقدّر في المصدر ؛ كما تقدّم تحقيقه.
وقال الزمخشريّ (٣) : ويجوز أن يكون «من» مرفوعا ؛ كأنه قيل : لا يحبّ الله الجهر بالسّوء إلا الظالم ، على لغة من يقول : «ما جاءني زيد إلّا عمرو» بمعنى : ما جاءني إلّا عمرو ، ومنه (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥] ، ورد أبو حيان (٤) عليهما فقال : «وما ذكره ـ يعني ابن عطية ـ من جواز الرفع على البدل لا يصحّ ؛ وذلك
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٢٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٩٨ ، والدر المصون ٢ / ٤٥١.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٣٠.
(٣) ينظر : الكشاف ١ / ٥٨٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٩٨.