حسّن عدم ذكر العائد كون الكلمة (١) وقعت رأس فاصلة.
وقال الزمخشري (٢) : «فإن الجحيم مأواه ، كما تقول للرجل : غضّ الطّرف ، تريد طرفك ، وليس الألف و «اللام» بدلا من الإضافة ، ولكن لما علم أنّ الطّاغي هو صاحب المأوى ، وأنّه لا يغضّ الرجل طرف غيره تركت الإضافة ، ودخول الألف واللام في «المأوى» والطرف ، للتعريف ؛ لأنّهما معروفان».
قال أبو حيان (٣) : «وهو كلام لا يتحصّل منه الرابط العائد على المبتدأ ، إذ قد نفى مذهب الكوفيين ، ولم يقدّر ضميرا محذوفا كما قدّره البصريون ، فرام حصول الرابط بلا رابط».
قال شهاب الدّين (٤) : «ولكن لما علم إلى آخره ، هو عين قول البصريين ، ولا أدري كيف خفي عليه هذا».
قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : حذر مقامه بين يدي ربه.
وقال الربيع : مقامه يوم الحساب (٥).
وقال مجاهد : خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذّنب فيقلع عنه ، نظيره : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦].
«ونهى النّفس عن الهوى» أي : زجرها عن المعاصي والمحارم (٦).
قال ابن الخطيب (٧) : هذان الوصفان مضادّان للوصفين المتقدمين ، فقوله تعالى : (مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) ضدّ قوله : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) ، و «نهى النفس» ضدّ قوله : (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنتم في زمان يقود الحق الهوى ، وسيأتي زمان يقود الهوى الحقّ ، فنعوذ بالله من ذلك الزمن (٨).
قوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أي : المنزل ، نزلت الآيتان في مصعب بن عمير ، وأخيه عامر بن عمير (٩).
__________________
(١) في ب : الآية.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٩٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤١٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٤٧٦.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٣٥).
(٦) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٢٠٠) ، وينظر المصدر السابق.
(٧) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٤٨.
(٨) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٣٥).
(٩) قال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» (٤ / ٦٩٨) : لم أجده.