وقال الزمخشري (١) : وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يزل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يذكر الساعة ، ويسأل عنها ويذكرها حتى نزلت ، قال : «فهو على هذا تعجّب من كثرة ذكره لها كأنّه قيل : في أيّ شغل واهتمام أنت من ذكرها والسّؤال عنها» (٢).
وقيل : الوقف على قوله : «فيم» ، وهو خبر مبتدأ مضمر ، أي : فيم هذا السؤال ، ثم يبتدىء بقوله : (أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) أي : إرسالك ، وأنت خاتم الأنبياء ، وآخر الرسل ، والمبعوث في تسمية الساعة ذكر من ذكراها ، وعلامة من علامتها ، فكفاهم بذلك دليلا على دنوّها ، ومشارفتها ، والاستعداد لها ، ولا معنى لسؤالهم عنها.
قاله الزمخشري : وهو كلام حسن ، لو لا أنّه يخالف الظاهر ، وتفكيك لنظم الكلام.
ومعنى (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) منتهى علمها ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) [الأعراف : ١٨٧] ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان : ٣٤].
قال القرطبي (٣) : ويجوز أن يكون إنكارا على المشركين في مسألتهم له ، أي : فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانه ، ولست ممن يعلمه ، روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها).
العامة : على إضافة الصفة لمعمولها تخفيفا.
وقرأ عمر (٤) بن عبد العزيز وأبو جعفر ، وطلحة ، وابن محيصن : بالتنوين ، ويكون في موضع نصب ، والمعنى : إنّما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة.
قال الزمخشري (٥) : وهو الأصل ، والإضافة تخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ، فإذا أريد الماضي ، فليس إلا الإضافة ، كقولك : هو منذر زيد أمس.
__________________
(١) ينظر الكشاف ٤ / ٦٩٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤١) ، والبزار (٢٢٧٩ ـ كشف) ، والحاكم (٢ / ٥١٣ ـ ٥١٤) ، عن عائشة. وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥١٥) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه. وذكره السيوطي أيضا في «الدر» (٦ / ٥١٥) ، عن عروة مرسلا وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
وذكر الهيثمي في «المجمع» (٧ / ١٣٦) الطريق الموصول وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وقد رجح أبو زرعة الطريق المرسل. ففي العلل (٢ / ٦٨) لابن أبي حاتم قال سمعت أبا زرعة يقول : الصحيح مرسل بلا عائشة.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٣٦.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٣٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٤١٦ ، والدر المصون ٦ / ٤٧٧.
(٥) الكشاف ٤ / ٦٩٩.