قال أبو حيان (١) : قوله : «هو الأصل» يعني : «التنوين» ، هو قول قاله غيره.
ثم اختار أبو حيّان : أن الأصل الإضافة ، قال : لأنّ العمل إنما هو بالشبه ، والإضافة أصل في الأسماء ، ثم قال : وقوله : «ليس إلا الإضافة» فيه تفصيل وخلاف مذكور في كتب النحو.
قال شهاب الدين (٢) : لا يلزمه أن يذكر إلّا محل الوفاق ، بل هذان اللذان ذكرهما مذهب جماهير الناس.
فصل في معنى الآية
المعنى : إنّما أنت مخوّف ، وخص الإنذار بمن يخشى ؛ لأنهم المنتفعون به ، وإن كان منذرا لكلّ مكلّف ، كقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) [يس : ١١].
قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها) يعني : الكفّار ، يرون الساعة.
(لَمْ يَلْبَثُوا) في دنياهم (إِلَّا عَشِيَّةً) أي : قدر عشيّة ، (أَوْ ضُحاها) أي : أو قدر الضّحى الذي يلي تلك العشيّة ، والمراد : تقليل مدة الدنيا ، كقوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥]. وأضاف الضحى إلى العشية إضافة الظرف إلى ضمير الظرف الآخر تجوّزا واتّساعا ، وذكرهما ؛ لأنّهما طرفا النهار ، وحسّن هذه الإضافة وقوع الكلمة فاصلة.
فإن قيل : قوله تعالى : (أَوْ ضُحاها) معناه : ضحى العشيّة ، وهذا غير معقول ؛ لأنّه ليس للعشيّة ضحى؟.
فالجواب : قال ابن عباس رضي الله عنهما : الهاء والألف صلة للكلام ، يريد : لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى (٣).
وقال الفرّاء والزجاج : المراد بإضافة الضّحى إلى العشية ، إضافتها إلى يوم العشية على عادة العرب ، يقولون : آتيك الغداة أو عشيها ، وآتيك العشية أو غداتها ، فتكون العشية في معنى : آخر النهار ، والغداة في معنى : أول النهار ؛ وأنشد بعض بني عقيل : [الرجز]
٥١٠٧ أ ـ نحن صبحنا عامرا في دارها |
|
جردا تعادى طرفي نهارها |
عشيّة الهلال أو سرارها (٤) |
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٤١٦.
(٢) الدر المصون ٦ / ٤٧٧.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٣١٠ / ٤٩) ، من طريق عطاء عن ابن عباس.
(٤) ينظر الطبري ٣٠ / ٣٢ ، ومعاني القرآن ٣ / ٢٣٥ ، واللسان (صبح) ، (سرر) ، والقرطبي ١٩ / ١٣٧.