وقال ابن عطية (١) : في جواب التمني ؛ لأنّ قوله تعالى : (أَوْ يَذَّكَّرُ) في حكم قوله : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
قال أبو حيان (٢) : «وهذا ليس تمنيا إنما هو ترجّ».
قال شهاب الدين (٣) : إنما يريد التّمني المفهوم من الكلام ، ويدلّ له ما قاله أبو البقاء : «وبالنصب على جواب التمني في المعنى» ، وإلّا فالفرق بين التمنّي والترجّي لا يجهله ابن عطية.
وقال مكي : «من نصبه جعله جواب «لعلّ» بالفاء ؛ لأنّه غير موجب ، فأشبه التّمني والاستفهام ، وهو غير معروف عند البصريين» وقرأ عاصم (٤) في رواية الأعرج : «أو يذكر» ـ بسكون الذال ، وتخفيف الكاف مضمومة ـ مضارع «ذكر» ، والمعنى : أو يتّعظ بما يقوله ، (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) أي : العظة.
قوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) قال عطاء : يريد عن الإيمان ، وقال الكلبي : استغنى عن الله ، وقال بعضهم : استغنى أثرى ؛ وهو فاسد ههنا ؛ لأن إقبال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن لثروتهم ومالهم حتى يقال له أما من أثرى ، فأنت تقبل عليه ، ولأنه قال : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى) ولم يقل وهو فقير معدم ، ومن قال : أما من استغنى بماله فهو صحيح ، لأن المعنى أنه استغنى عن الإيمان والقرآن بما له من المال.
وقوله تعالى : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تقدمت فيه قراءتا التثقيل والتخفيف.
قال الزجاج : أي أنت تقبل عليه وتتعرض له وتميل إليه ، يقال تصدى فلان لفلان ، يتصدّد إذا تعرض له ، والأصل فيه تصدد يتصدّد من الصدد ، وهو ما استقبلك وصار قبالتك فأبدل أحد الأمثال حرف علة مثل : تظنيت وقصيت ، وتقضى البازي قال الشاعر :
٥١٠٧ ب ـ تصدّى لوضّاح كأنّ جبينه |
|
سراج الدّجى يجبى إليه الأساور (٥) |
وقيل : هو من الصدى ، وهو الصوت المسموع في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة.
وقيل : من الصدى وهو العطش ، والمعنى على التعرض ، ويتمحّل لذلك إذا قلنا أصله من الصوت أو العطش.
وقرأ أبو جعفر «تصدي» بضم التاء وتخفيف الصاد. أي يصديك حرصك على إسلامه.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٣٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤١٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٤٧٨.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٣٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٤١٩ ، والدر المصون ٦ / ٤٧٩.
(٥) البيت للراعي النميري. ينظر ديوانه (١٠٩) ، والبحر المحيط ٨ / ٤١٧ ، والدر المصون ٤٧٩٦.