قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) «كلّا» : ردع للإنسان عن تكبّره ، وترفعه ، وعن كفره ، وإصراره على إنكار التوحيد ، وعلى إنكار البعث ، والحشر والنشر وقوله تعالى : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) قال مجاهد وقتادة : لا يقضي أحد جميع ما أمر به ، وهو إشارة إلى أن الإنسان لا ينفكّ عن تقصير ألبتّة (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وعندي في هذا التفسير نظر ؛ لأن الضمير فيه عائد إلى المذكور السّابق ، وهو الإنسان في قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) وليس المراد من الإنسان هنا : جميع الإنسان ، بل الإنسان الكافر ، فقوله تعالى : (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) ، كيف يمكن حمله على جميع الناس؟.
وقال ابن فورك : كلّا لما يقض الله ما أمره ، [كلا لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان وترك التكبر ، بل أمره بما لم يقض له به وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول لما يقض ما أمره] : لم يبال بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقيل : المعنى : إن ذلك الإنسان الكافر لم يقض ما أمره به من التّأمّل في دلائل الله تعالى ، والتّدبّر في عجائب خلقه.
قوله : «ما أمره» ، «ما» : موصولة.
قال أبو البقاء (٣) : بمعنى «الذي» ، والعائد محذوف ، أي : ما أمره به.
قال شهاب الدين (٤) : وفيه نظر ، من حيث إنّه قدر العائد مجرورا بحرف لم يجر الموصول ، ولا أمره به ، فإن قلت : «أمر» يتعدى إليه بحذف الحرف ، فاقدره غير مجرور.
قلت : إذا قدرته غير مجرور فإمّا أن تقدّره متصلا أو منفصلا ، وكلاهما مشكل ، لما تقدم في أول «البقرة» عند قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣].
وقال الحسن : «كلّا» معناه : «حقّا» ، «لما يقض» : أي : لم يعمل بما أمره به (٥).
قال القرطبي (٦) : و «ما» في قوله : «لما» عماد للكلام ، كقوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، وقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠].
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤٨) ، عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢٠) ، وعزاه إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر.
وينظر تفسير الماوردي (٦ / ٢٠٦) ، والقرطبي (١٩ / ١٤٣).
(٢) ينظر : الرازي ٣١ / ٥٦.
(٣) الإملاء ٢ / ٢٨١.
(٤) الدر المصون ٦ / ٤٨٠.
(٥) ذكره القرطبي في تفسيره (١٩ / ١٤٣) ، عن الحسن.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٤٣.