والأول قول الجمهور ، كقوله تعالى لعيسى ابن مريم : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) [المائدة : ١١٦] ، على جهة التوبيخ ، والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموءودة : توبيخ لوائدها وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ؛ لأن هذا مما لا يصحّ إلا بذنب ، أي : فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها كان أعظم في البيّنة وظهور الحجة على قاتلها ، وفي الآية دليل على أن أطفال المشركين لا يعذّبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحقّ إلّا بذنب.
قوله تعالى : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ).
قرأ الأخوان (١) وابن كثير وأبو عمرو : بالتثقيل ، على تكرار النشر للمبالغة في تقريع العاصي ، وتبشير المطيع.
وقيل : لتكرير ذلك من الإنسان.
والباقون : بالتخفيف. ونافع وحفص وابن ذكوان «سعّرت» بالتثقيل ، والباقون بالتخفيف.
قوله : (نُشِرَتْ) ، أي : فتحت بعد أن كانت مطويّة ، والمراد : صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال العباد من خير أو شر ، تطوى بالموت ، وتنشر في يوم القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته ، فيعلم ما فيها ، فيقول : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩].
قوله تعالى : (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) ، أي : قشرت ، من قولهم : كشط جلد الشّاة ، أي : سلخها. وقرأ عبد الله «قشطت» ـ بالقاف ـ وقد تقدم أنهما متعاقبان كثيرا ، وأنه قرىء: وقافورا [وكافورا](٢) في (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١]. [يقال : لبكت الثريد ولبقته](٣).
قال القرطبي (٤) : «يقال : كشطت البعير كشطا ، نزعت جلده ، ولا يقال : سلخته ، لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته» ، والمعنى : أزيلت عما فوقها.
قال الفراء : طويت.
قوله تعالى : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) ، أي : أوقدت ، فأضرمت للكفّار ، وزيد في إحمائها يقال : سعرت النّار وأسعرتها.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوقد على النّار ألف سنة حتّى اسودّت فهي مظلمة» (٥).
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٧٣ ، والحجة ٦ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٤٥ ، وحجة القراءات ٧٥١.
(٢) سقط من : ب.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٥٣.
(٥) أخرجه الترمذي (٣ / ٣٤٦) وابن ماجه (٢ / ٥٨٧) من حديث أبي هريرة.