قوله تعالى : (جَنَّةً وَحَرِيراً). أي : أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير.
قوله : (مُتَّكِئِينَ). حال من مفعول «جزاهم» والعامل فيها «جزى» ولا يعمل فيها «صبروا» ؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتّكاء في الآخرة.
وقرأ علي (١) ـ رضي الله عنه ـ : «وجازاهم».
وجوّز أبو البقاء : أن يكون صفة ل «جنّة».
وهذا لا يجوز عند البصريين ؛ لأنه كان يلزم بروز الضمير ، فيقال : «متّكئين هم فيها» لجريان الصفة على غير من هي له.
وقد منع مكي أن يكون «متكئين» صفة ل «جنة» لما ذكرنا من عدم بروز الضمير.
وممن ذهب إلى كون «متكئين» صفة ل «جنة» ، الزمخشري ، فإنه قال : «ويجوز أن يكون متّكئين ، ولا يرون ، ودانية ، كلها صفات الجنة». وهو مردود بما تقدم.
ولا يجوز أن يكون «متكئين» حالا من فاعل «صبروا» ؛ لأن الصبر كان في الدنيا ، واتكاؤهم إنما هو في الآخرة. قال معناه مكي.
ولقائل أن يقول : إن لم يكن المانع إلا هذا فاجعلها حالا مقدرة ، لا ما لهم بسبب صبرهم إلى هذه الحالة ، وله نظائر.
قال ابن الخطيب (٢) : وقال الأخفش : وقد ينصب على المدح والضمير في «فيها» أي في الجنة وقال الفراء : وإن شئت جعلت «متكئين» تابعا ، كأنه قال : جزاؤهم جنة متكئين فيها.
والأرائك : السّرر في الحجال ، وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : إحداها الأريكة لا تكون إلّا حجلة على سرير. وثانيها : السّجل ، وهو الدلو الممتلىء ماء ، فإذا صفرت لم تسم سجلا ، وكذلك الذنوب لا تسمى ذنوبا حتى تملأ ، قاله القرطبي (٣).
وهذا فيه نظر ، لأنه قد ورد في شعر العرب يصف البازي ؛ قال : [الكامل]
٥٠٤٢ ـ .......... |
|
يغشى المهجهج كالذّنوب المرسل (٤) |
يعني الدّلو إذا ألقي في البئر ، وهو لا يلقى في البئر إلا إذا كان فارغا.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤١١ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٨٨.
(٢) الفخر الرازي ٣٠ / ٢١٩.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٨٩.
(٤) عجز بيت للبيد وصدره :
أو ذو زوائد لا يطاف بأرضه
ينظر ديوانه ص ١٢٧ ، واللسان (هجهج).