قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء (١) ، أي : الذي في الجنة أشرف وأعلا ، ثم لم تنف الأواني الذهبية بل المعنى : يسقون في أواني الفضة ، وقد يسقون في أواني الذهب ، كما قال تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، أي والبرد ، فنبه بذكر أحدهما على الأخرى. قوله : «بآنية» هذا هو القائم مقام الفاعل ؛ لأنه هو المفعول به في المعنى ، ويجوز أن يكون «عليهم».
و «آنية» جمع إناء ، والأصل : «أأنية» بهمزتين ، الأولى مزيدة للجمع ، والثانية فاء الكلمة ، فقلبت الثانية ألفا وجوبا ، وهذا نظير : كساء وأكسية ، وغطاه وأغطية ، ونظيره في صحيح اللام : حمار وأحمرة.
وقوله «من فضّة» نعت ل «آنية».
قوله : (وَأَكْوابٍ). الأكواب هي الكيزان العظام التي لا آذان لها ولا عرى ، الواحد منها كوب ؛ وقال عدي : [السريع]
٥٠٤٥ ـ متّكئا تقرع أبوابه |
|
يسعى عليه العبد بالكوب (٢) |
قوله : (كانَتْ قَوارِيرَا). اختلف القراء في هذين الحرفين بالنسبة إلى التنوين وعدمه ، وفي الوقوف بالألف وعدمها ، كما تقدم خلافهم في «سلاسل».
واعلم أن القراء فيهما على خمس مراتب :
إحداها (٣) : تنوينهما معا والوقف عليهما بالألف لنافع والكسائي وأبي بكر.
الثانية : مقابلة هذه ، وهي عدم تنوينهما ، وعدم الوقف عليهما بالألف ، لحمزة وحده.
الثالثة : عدم تنوينهما والوقف عليهما بالألف وعلى الثاني بدونها لهشام وحده.
والرابعة : تنوين الأول دون الثاني ، والوقف على الأول بالألف ، وعلى الثاني بدونها لابن كثير وحده.
الخامسة : عدم تنوينهما معا ، والوقف على الأول بالألف ، وعلى الثاني بدونها ، لأبي عمرو ، وابن ذكوان ، وحفص.
فأما من نونهما فكما مرّ في تنوين «سلاسل» ؛ لأنها صيغة منتهى الجموع ، ذاك على «مفاعل» وذا على «مفاعيل» ، والوقف بالألف التي هي بدل من التنوين ، وفيه موافقة للمصاحف المرسومة ، فإنهما مرسومان فيهما بالألف على ما نقل أبو عبيد.
__________________
(١) ينظر القرطبي (١٩ / ٩١).
(٢) تقدم.
(٣) تنظر هذه الوجوه في : السبعة ٦٦٤ ، والحجة ، ٦ / ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، وحجة القراءات ٧٣٩.