يصيح الديك ، أو ما يصيح ، لم يجز. قال شهاب الدين (١) : قد تقدم الكلام في ذلك مرارا.
وقرأ نافع والكوفيون : «تشاءون» خطابا لسائر الخلق ، أو على الالتفات من الغيبة في قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) ، والباقون (٢) : بالغيبة جريا على قوله : «خلقناهم» وما بعده.
قوله : (وَما تَشاؤُنَ) أي الطاعة والاستقامة ، واتخاذ السبيل إلى الله (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فأخبر أن الأمر إليه سبحانه ، وليس لهم ، وأنه لا ينفذ مشيئة أحد ، ولا تقدّم إلا تقدّم مشيئة الله تعالى ، قيل : إن الآية الأولى منسوخة بالثانية.
قال القرطبي (٣) : والأشبه أنه ليس بنسخ ، بل هو تبيين أن ذلك لا يكون إلا بمشيئته.
قال الفراء : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) جواب لقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم ، فقال : «وما تشاءون» ذلك السبيل (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لكم ، (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بأعمالكم «حكيما» في أمره ونهيه لكم.
قوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ). أي : يدخله الجنة راحما له.
قال ابن الخطيب (٤) : إن فسرنا الرحمة بالإيمان فالآية صريحة في أن الإيمان من الله تعالى وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئة الله تعالى وفضله ، وإحسانه لا بسبب الاستحقاق ؛ لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجهل أو الحاجة ، وهما محالان على الله تعالى ، والمفضي إلى المحال محال ، فتركه محال ، فوجوده واجب عقلا ، وعدمه ممتنع عقلا ، وما كان كذلك لا يكون معلقا على المشيئة ألبتة.
قوله : (وَالظَّالِمِينَ) ، أي : ويعذّب الظالمين ، وهو منصوب على الاشتغال بفعل يفسره «أعدّ لهم» من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، تقديره : وعذب الظالمين ، ونحوه : «زيدا مررت به» أي : جاوزت ولابست. وكان النصب هنا مختارا لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها ، وهو قوله «يدخل».
قال الزجاج : نصب «الظّالمين» لأن قبله منصوبا ، أي : يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ، أي : المشركين ، ويكون «أعدّ لهم» تفسيرا لهذا المضمر ؛ قال الشاعر : [المنسرح]
٥٠٥٣ ـ أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٤٥٢.
(٢) ينظر : السبعة ٦٦٥ ، والحجة ٦ / ٣٦٧ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، وحجة القراءات ٧٤١.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٩٩.
(٤) الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٣٢.