.................................................................................................
______________________________________________________
رعاية المراتب الثلاثة ، ومحصله : أنّ هذا الترتيب مقتضى الجمع بين أمرين :
أحدهما : مراعاة غرض الواقف من انتفاع البطون بالموقوفة مؤبّدا ، ولذا قد يؤخذ قيد الدوام في صيغة الوقف.
وثانيهما : أنّ الشارع أمر بالعمل بما عيّنه الواقف من كيفية وشرط ، لقوله صلوات الله وسلامه عليه : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».
وعلى هذا ، فإن أمكن إبقاء شخص الموقوفة والانتفاع بها في الجهة التي عيّنها الواقف لم يجز بيعها. وإن امتنع وبيعت لزم صرف ثمنها في المماثل ، لكونه إبقاء للعين بحسب نوعها ، لفرض تساويهما في الصفات ، وكون المنفعة العائدة من البدل والمبدل واحدة.
وإن تعذّر تحصيل المثل وجب صرف الثمن في عين اخرى لتدرّ منافعها على الموقوف عليهم ، فيكون البدل إبقاء لجنس الوقف وإن لم يكن إبقاء لنوعه.
وإن تعذّر شراء عين أخرى لقلّة الثمن ـ أو لجهة أخرى ـ وجب على المتولي للبيع دفع الثمن إلى البطن الموجود ، فيتصرف فيه بما شاء ، لكونه عملا بالميسور من غرض الواقف وإن فات غرضه الأقصى ، وهو الانتفاع بشخص الموقوفة.
فإن قلت : لا وجه للترتيب المزبور ، فإنّ غرض الواقف الانتفاع بالعين على الدوام ، وإمضاء الشارع لهذا المقصود يقتضي إبقاء العين على حالها ، حتى تسقط بنفسها عن الانتفاع ، ولم يتعلّق غرضه بالتبديل بالمماثل أو بغيره ، فلو فرض بيع الوقف لم يكن صرف الثمن في المماثل أولى من صرفه في غيره.
قلت : ما ذكر من الترتيب متعلّق غرض الواقف أيضا ، لأن أخذ قيد الدوام من جهة ، وخراب شخص الموقوفة من جهة أخرى ، يوجب الالتزام بإبقاء الوقف بحسب نوعه وإن تعذر بقاء شخصه ، لتعدد مطلوب الواقف.
ولو فرض إبقاء شخص الوقف حتى يضمحلّ بالمرّة ـ بحيث يمتنع حينئذ تبديله بشيء آخر مماثل أو غير مماثل ـ لزم فوات غرض الواقف بأجمعه. ومن المعلوم أنّ حفظ بعض مطلوبه أولى من تركه كلّية.