وممّا ذكرنا تسقط دعوى بعض أهل العلم من أنّ النور جسم وعرض ، والباري جلّ شأنه منزّه عنهما ، فلا بدّ من التأويل في الآية الشريفة ، فإنّ ذلك النور ليس كسائر الأنوار كما عرفت ، فلا حاجة إلى التأويل.
على أنّ مقام المظهريّة ، والتجلّي ، والإشراق غير مقام الذات ، وفي بعض روايات نفي الرؤية : «كيف أراه وحجابه النور» ، أي : أفاض من نور ذاته نور حجابه ، فهو تعالى محجوب ، وفي الدعاء المأثور : «اللهم ربّ النور العظيم» ، أو قوله عليهالسلام مخاطبا له جلّت عظمته : «أنت نور النور».
والحاصل : أنّ تجلّيه تعالى بالنور ، ليس من قبيل النور المتّصف بالكيف والعرض في عالم الإمكان المحدود بالمعقول ، وإن كانت السموات والأرضين كلّها أنوارا أشرقت من نوره العظيم بعد ما كانتا معدومتين ، فلا داعي لالتماس المجاز في الآية المباركة : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : المنوّر لهما ، وإن كان ذلك صحيحا في حدّ نفسه ، كما لا معنى للمبالغة فيها أصلا كما عن بعض ، والبحث نفيس جدا نتعرّض له في الآية الشريفة المناسبة له إن شاء الله تعالى.
وقد تقتبس النفوس المستعدة أنوارها من الصحف المطهّرة النازلة من السماء على قلب الرسل والأنبياء عليهمالسلام ، فتهتدي إلى الكمال اللائق ، وتصل إلى المقام الراقي.
كما أنّ النور يشرق من وجود الرسل والأنبياء عليهمالسلام على القلوب القابلة أو اللائقه للسير والسلوك لعرفان الحقّ والتوجّه للخالق ، وكذا من الأولياء بل العلماء العاملين بعلمهم المتّقين ، الذين وصفهم علي عليهالسلام في خطبة همام.
وقد يشرق النور من جميع الممكنات التي وجدت بالإرادة التكوينيّة ، الدالّة على خالقها وبارئها وجاعلها على النفوس القابلة للوصول إلى معرفة موجدها ومدبرها.
وهذه الأنوار كلّها قابلة للشدّة والضعف ، ولها مراتب ، وفي كلّ مرتبة درجات ، وفي كلّ درجة منازل ، وفي كلّ منزلة مراحل ، وتفصيل ذلك خارج عن موضوع الكتاب.