ومن الأنوار المعنويّة التي تدركها البصيرة ، النور الذي يشرق من الكتب السماويّة ، لاستضاءة السبل وإيصال السالك إلى منزل القرب إليه تعالى ، وكذا الأنبياء والأولياء كما مرّ.
وهناك أنوار اخرى ذكرها علماء العرفان ، وهي :
الأوّل : نور الطالبين ، ومن شأنه أن يكشف ظلمة الغفلة ويظهر نور اليقظة ، والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، وفي الدعاء المأثور : «وهب لي نورا ترفع به ظلمة الجهل عني ، واطلب به رضاك».
الثاني : نور السائرين ، ومن شأنه أن يكشف ظلمة الأغيار ويظهر به بهجة المعارف والأسرار ، وفي كثير من الدعوات السؤال منه جلّ شأنه بإفاضته علينا ، ويعبّر عنه بنور الإقبال ، ولعلّه المراد من الحديث الوارد عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «انّ النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفسح ، قيل : يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال صلىاللهعليهوآله : نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله».
الثالث : نور الوصال أو التوجّه ، وبه يحصل الشهود ويشهد القلب مولاه.
وهناك تقسيم آخر ، وهو قريب ممّا ذكرنا ، نور الإسلام ، ونور الإيمان ، ونور الإحسان ، فبالأوّل الانقياد والإذعان ، وبالثاني يكشف ظلمات الشرك الخفي ويظهر بهجة الإخلاص والصدق والوفاء ، وبالثالث تنكشف ظلمة الآنية ويظهر نور وجود المبدأ كما هو ، ولهذه الأنوار مراتب ودرجات.
وعن بعض العرفاء المحققين : أنّه بنور الإسلام الواقعيّ يتحقّق الفناء في الأفعال ، وبنور الإيمان يتحقّق الفناء في الصفات ، وبنور الإحسان يحصل التمكين في الفناء في الذات.
واستغنى بعض منهم عن النور الثالث بذكر الثاني ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الفناء في الصفات قريب من الفناء في الذات ، وأنّ الصفات لا تفارق الموصوف ، فمن يرى سمعه بالله تعالى وبصره بالله سبحانه ـ كما في بعض الروايات ـ يرمى وجوده