القوم الجبّارين ، وإلّا لما اختصّا بهذه النعمة ولم يكد يتحقّق فيهم الاهتداء من الخروج من هذا المأزق ، فيرشدوا قومهم بالدخول عليهم الباب كما سيذكره عزوجل ، فمن جميع ذلك يستفاد أنّ هذه النعمة هي نعمة الولاية التي اختصّ بها المؤمنون المخلصون ، ومن أهمّ درجات الإخلاص الحقيقيّ هو الخوف من الله جلّ شأنه ، بل هو حقيقته وقوامه ، وأولياؤهم الذين لا يخشون غيره تعالى ، قال جلّ شأنه : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٦٢].
وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا فرق بين أن يقال : إنّ متعلّق (أنعم) هو الولاية ، أو يكون الخوف ، فإنّه بالآخرة يرجع إلى الأوّل ، كما عرفت.
قوله تعالى : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ).
أي : باغتوهم ولا تمهلوهم ليجدوا للحرب مجالا ، وعلى هذا فلا يختصّ بباب البلدة كما قيل ، بل يشمل أوّل بلدة من بلاد الجبابرة تلي بني إسرائيل ، فإنّ عنصر المباغتة لا يختصّ بأمر معيّن ، فإنّ الظروف المتاحة تعيّن ذلك ، فلعلّ المراد بالباب ما له شأن في ضعف قواهم ويمهّد الطريق للاستيلاء عليهم ، فإنّ ذلك استعمال شائع ، لا سيما في مثل هذه الظروف.
قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ).
وعد منهما بالنصر والغلبة على العدو ، وتأكيد منهما لهم بذلك ، وإنّما حصل لهما هذا الجزاء والتأكيد إما اعتمادا على وعد منه عزوجل لموسى بن عمران عليهالسلام بتوريث الأرض لبني إسرائيل كما أخبر به موسى عليهالسلام لهما ، أو أنّهما عرفا ذلك بإلهام منه عزوجل لهما ، لأنّهما كانا من نقباء بني إسرائيل الاثني عشر ، أو أنّهما عرفا ذلك من القرائن الحافّة وحالات الجبّارين ، فإنّهم أجسام لا قلوب فيها ، فلا يحتاجون إلى قتال إذا باغتوهم وعملوا بما اقترحه هذان الرجلان.
قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
تشجيع لهم وتطييب لنفوسهم ، وحثّ لهم بالاعتماد على الله تعالى والتوكّل