الفاسقين الذين واجهوه بأشدّ الامتناع ، ويستمد منه العون في إحلال هذه العقدة ، كما صنعه الأنبياء الذين سبقوه والذين لحقوه عند ما كان أقوامهم يعارضونهم بالردّ والامتناع ، وهو شأن التبليغ والدعوة ، فيقول : إنّي بلّغت وأعذرت ولا أملك لهم أمرا إلّا نفسي وأخي وقد قمنا بما علينا من واجب التكليف ، بل رجع إلى ربّه واشتكى إليه وبثّ حزنه ممّا فعله قومه ، واستنصره في إجراء الأمر الإلهيّ مع بذل نفسه ونفس أخيه في سبيل تطبيقه ، فإنّ كلّ واحد منهما يملك من نفسه السمع الطاعة والامتثال ، كما يملك من نفس هارون فإنّه خليفته ووصيّه ووزيره ، وهذا لا ينافي أنّه عليهالسلام كان يملك من غيره ممّن أخلص لله تعالى وله من المؤمنين السمع والطاعة ، كما حكي عنهم في ما سلف من الآيات المباركة.
ومن ذلك يعرف فساد ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ هذه العبارة تدلّ على أنّه لم يكن يوقن بثبات الذين أخبر الله تعالى عنهما آنفا ، فإنّها لا تدلّ على ذلك بشيء من الدلالات ، فهو عليهالسلام إنّما اقتصر على نفسه وأخيه ، لأنّهما واسطتا الفيض والمبلّغان عن الله تعالى ـ فقد بالغا في الدعوة وناضلا أشدّ النضال في سبيل تنفيذ هذا الحكم ، ولكنّهما جوبها بأشدّ الامتناع والاستهانة من قومهما ، كما حكي عزوجل.
وكيف كان ، فلا يستفاد من قوله عليهالسلام الردّ لما أمر به ربّه ، ولا الاعتذار منه عن عدم الدخول ، بل كان مصرا على تنفيذه طالبا منه النصرة والعون ، فإنّ فيه حياتهم الماديّة والمعنويّة ، وفيه تثمر جهوده.
والظاهر من العبارة أنّ قوله : (وَأَخِي) ، معطوف على الياء في قوله : (إِنِّي). والمعنى : أنّي لا أملك إلّا نفسي وأخي مثلي لا يملك إلّا نفسه ، فهما اللذان يملكان نفسيهما على الطاعة والامتثال ويعرفان حقّ المعرفة ما لهذا الأمر الإلهيّ من عظيم الأثر.
وقيل : إنّه معطوف على قوله : (نَفْسِي) ، أي : أنّي لا أملك إلّا نفسي وأملك أخي ، فليس لي غيرهما ، فلا ناصر لي ولا معين ، فإنّ القوم أعرضوا عن الطاعة