ومن ذلك يعرف بطلان ما قيل من أنّ في الآية الكريمة تقديما وتأخيرا ، فإنّه لم يعلم نسبته إلى علي عليهالسلام.
وثانيا : أنّ ما ذكر في ترجيح قراءة النصب من التوجيهات النحويّة لا يمكن الاعتماد عليها ، فإنّ تطبيق الآية المباركة على احتمالات بعيدة لا يزيدها إلّا بعدا عن الواقع ، وسيأتي في البحث الأدبي بعض الكلام.
وثالثا : أنّ ما ذكر في ترجيح الغسل على المسح من أنّه خلاف الحكمة ، أو أنّ الغسل هو المسح وزيادة وغير ذلك ممّا عرفت ، فإنّ كلّ ذلك من مجرّد الاستحسان ، واحتمالات لا يمكن ابتناء الأحكام الشرعيّة عليها ، فإنّ الوضوء والغسل والتيمّم أمور تعبديّة توقيفيّة ، لا بدّ من ورود دليل من الشرع في جميع خصوصياتها ، فإذا أمر بالغسل في موضع ، لا يجوز المسح فيه ، وكذا بالعكس ، فإنّه تشريع محرّم يوجب بطلان العبادة ، كما هو معلوم.
ولا إشكال من أحد في أنّ الغسل والمسح مفهومان متغايران عند العرف ، ويشترط في كلّ واحد منهما ما لا يشترط في الآخر ، ومن ذلك أنّه يشترط في المسح أن يكون الممسوح خاليا عن الرطوبة الغالبة على ما يكون على الماسح من الرطوبة ، وإلّا لم يتأثّر الممسوح برطوبة الماسح الذي هو قوام المسح ، فلو تحقّق الغسل قبل المسح تكون الرطوبة غالبة فيبطل المسح ، لانتفاء الشرط ، وإن كان بعده فلا فائدة فيه ، إلّا أن يكون بقصد التشريع والورود ، فيوجب البطلان ، فلا يمكن الجمع بين الغسل والمسح.
وأما الحكمة المزعومة في الغسل دون المسح ، فلا ريب ولا إشكال في أنّ الطهارة والنظافة أمران مندوبان وقد حثّ عليهما الشرع المبين ، ولكنّهما لا تنحصران في الوضوء فقط ، فإنّ لها طرقا وسبلا متعدّدة ، مع أنّ الحكمة في الوضوء لا تنحصر في النظافة الظاهريّة ، فلعلّ الغاية منه الطهارة الباطنيّة ، ففي الحديث المعروف عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «الوضوء نور» ، وما ورد في تفسير الغرّ المحجلين