نقص الغرض ، الذي هو بيان عظمة قتل النفس من حيث الإثم والأثر ، فكلّ ما زاد عدد القتل ازدادت الأهميّة ، وهذا التنزيل يفضي إلى خلاف ذلك ، فإذا كان قتل الواحد بمنزلة قتل الجميع ، يستلزم أن لا يقع بإزاء الزائد على الواحد شيء ، لأنّ الواحد مقابل الجميع ويبقى الباقي وليس بإزائه شيء ، ولأنّ قتل الواحد إذا كان بمنزلة قتل الجميع ، فإن أريد به قتل الجميع الذي يشتمل على هذا الواحد ، كان لازمه مساواة الواحد مجموع نفسه وغيره ، وهو باطل ، وإن أريد قتل الجميع باستثناء هذا الواحد ، كان معناه : من قتل نفسا فكأنّما قتل غيرها من النفوس ، وهو بعيد عن سياق الآية الشريفة وباطل في نفسه.
والجواب عن جميع ذلك بأنّ الآية المباركة لا تنظر إلى هذا التنزيل العددي منه ، بل تشير إلى معنى دقيق كما عرفت ، فتنزل الواحد منزلة الجميع من حيث الحقيقة الإنسانيّة ، كما عرفت آنفا.
وهذه الآية الشريفة من الآيات المعدودة في القرآن الكريم التي تعطي الأهميّة للإنسانيّة ، وتثبت حقوق الإنسان التي تنادي بها الجاهلية المعاصرة ، تجاهلا منها بالحقيقة الإنسانيّة ، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ).
تقرير لما كتب آنفا وتأكيد له ، وتشديد عظيم للأمر ، وتجديد للعهد ، والجملة عطف على صدر الآية الشريفة ، أي : ولقد جاءتهم رسل الله تعالى بالآيات الواضحة يحذّرونهم القتل وما يترتّب عليه من الفساد والدمار.
والتأكيد بالقسم لكمال العناية بمضمون الآية المباركة ، كما أنّه تبارك وتعالى قال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) ، تصريحا بوصول الرسالة إليهم وتناهيهم في العتو والاستكبار.
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
تأكيد آخر لما تقدّم ، ويستفاد منه عظيم منزلة ما ورد في الآية الشريفة من مجيء اسم الإشارة الذي وضع موضع الضمير ، للإيذان بكمال تميّزه وانتظامه