العهد لم يكن مولويّا صرفا ، ويدلّ على ما ذكرنا قوله عليهالسلام : «فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها» ، وأما وسوسة الشيطان لم يكن لأجل إغواء آدم عليهالسلام والتسلّط عليه ، وإنّما كان لأجل إغواء ذرّيته والتسلّط عليهم ، وسيأتي في الآيات المناسبة تقييم هذا الاحتمال ودفع ما يطرأ عليه من الشبهات.
الثاني : أنّ أصل النسيان في البشر من لوازم وجوده وطبيعته. نعم للنسيان مراتب متفاوتة ، وتختلف حسب درجات الإيمان ، وحسب سير الطبيعة ، وقد يكون النسيان من الشرور التي يقرب الشيطان الإنسان إليها ، كما يأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
الثالث : أنّ تقديم القربان إليه جلّت عظمته من لوازم الإيمان والعبوديّة لله تعالى ، سواء كانت هناك شريعة ومنهج إلهيّ أو لا ، لأنّه ممّا يستحسنه العقل ويعترف به.
ولا يختصّ القربان بالذبح والنحر ـ وإن كان أفضله ـ بل يتحقّق بتقديم كلّ شيء حتّى الزرع الذي لم ينظف ، وإنّ القبول حسب مراتب الإخلاص والكمال في الشيء.
ثمّ إنّه قد ورد في كثير من الروايات أنّه كانت علامة قبول القربان من الله جلّ شأنه أن تأتي نار من السماء وتأكله. ولعلّه كان ذلك لأجل الترغيب إلى إصلاح النفس وتهذيبها ـ ولا يكون ذلك من المعجزة ، وإن كان مقتضى عموم رحمته وعدم تحديده بشيء ، وأنّه يظهر الجميل ويستر القبيح ، أن لا يظهر قبح من لم يتقبّل قربانه في هذه الدنيا. نعم عن بعض العرفاء أنّ للقبول آثارا معنويّة تظهر على النفس ، وأنّ سترها ـ خوفا من العجب ـ من أسمى الكمالات.
الخامس : ظاهر الرواية أنّ عمل قابيل لم يكن خالصا لوجهه تعالى ، ومن أثر ذلك صدر منه المعصية الشنيعة ، وكان غرضه السمعة والشهرة.
السادس : أنّ بناء قابيل بيتا للنار وعبادته لها ، لا تدلّ على أنّه كان مجوسيّا ، وإنّما كان ذلك عن حبّ للسمعة ، كما يعبد أهل الدنيا الماديات ، وإلّا كانت