كامن في نفس الإنسان ولا يجديه شيء خارج إذا لم يكن راجعا إلى كسب الإنسان وفعله ، وقد أكّد عزوجل ذلك في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، قال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٩ ـ ١٠].
ومعنى الآية : أنّ الذين كفروا لو افتدوا جميع ما في الأرض لينجيهم من عذاب يوم القيامة لم ينفعهم ذلك ، ولا يكون بدلا عمّا ذكره عزوجل في صدر الآية من التقوى وابتغاء الوسيلة والمجاهدة في سبيله ، فإنّ تلك هي التي تصرف العذاب عن أنفسكم. وإنّما اقتصر عزوجل على الفدية بما في الأرض ، لأنّها أقصى ما يقدر عليه ابن آدم من الملك الدنيويّ عادة.
قوله تعالى : (وَمِثْلَهُ مَعَهُ).
زيادة في الرغبة وتأكيد على كينونة ما في الأرض ، والمثل على طريق المعيّة لا بطريق التعاقب ، لبيان فظاعة الأمر وهول الموقف.
قوله تعالى : (لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ).
أي : ليجعلوه فدية لأنفسهم من عذاب يوم القيامة.
قوله تعالى : (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
أي : لا يتقبّل الله ذلك منهم ولا ينقذهم من العذاب الذي استحقّوه بسبب أعمالهم ولا سبيل لخلاصهم منه ، بل هم في عذاب مؤلم في كمال الإيلام لهم ، لأنّ من سنّته عزوجل أنّ الذي ينجيهم من العذاب إنّما هو الإيمان والعمل الصالح. وتقدّم أنّه إنّما يتقبّل الله من المتّقين ، فلا تنفع الكافرين الفدية ، ولا ترفع عنهم العذاب الذي استحقّوه بكفرهم وسيئات أعمالهم.
قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها).
بيان لحالهم في النّار ، وهو يدلّ على كمال إحساسهم بالعذاب ، وأنّ الفطرة الأصليّة التي كانت تتألّم من العذاب في الدنيا لم تتغيّر ولم تنتف عنهم ، بل تتأثّر بالنّار ويتألّمون ويريدون الخلاص من العذاب والخروج من النار ، فإنّها دار العذاب والشقاء وما هم بخارجين منها البتة ، والجملة تدلّ على الثبوت والدوام ، والآية الشريفة تدلّ على عدم قبول الشفاعة والعدل والفدية منهم.