الاستكمال وطلب الزلفى لديه عزوجل إنّما يصحّ بعد تزكية النفس أوّلا من رذائل الصفات وذمائم الأخلاق ، فإنّها من أقوى الحجب الظلمانيّة المانعة من الكمال والاستكمال ، ثمّ تحلية النفس بالصفات الحميدة والأخلاق المرضية ، ليتحقّق القرب والاستعداد ، وأخيرا أمر عزوجل بالجهاد في سبيله ، فإنّ الوصول إلى تلك المرتبة لا يكون بسهولة ويسر ، وإنّما يحتاج إلى جهاد وصبر ومثابرة ، ولعلّ الآية الشريفة ترشد إلى أنّ المؤمن لا بدّ له من مراحل ثلاث : شريعة ، وحقيقة ، وفيض ، فإذا تحمّل بالشريعة وتوجّه إلى الله تعالى بابتغاء الوسيلة ، اشتاقت نفسه إلى حضرة الملك وتغلّب عليها الشوق بالتوجّه إليه عزوجل ، فيشتغل بمجاهدة النفس ومحاسبتها ، وأوّل المنازل هو ترك الدنيا والعزوف عن زخرفها وزبرجها ، ثمّ إسقاط جميع الروابط بمخالفة الهوى والاشتغال بالتوجّه إليه عزوجل ، فمن خرق عوائد نفسه تحقّق سيره ووصوله ، ويعرف ذلك بحبّ الله تعالى وابتغاء الوسيلة إليه وجعله شغله الشاغل ، فإذا جاهد الإنسان نفسه حتّى هذّبها وأظهرها من الحجب والموانع ، رجعت نفسه إلى أصلها ، وهو الحضرة التي كانت فيها ، فإنّه لم يكن بينها وبين محلّها إلّا الحجب الظلمانيّة ، فإذا تخلّصت عادت إلى محلّها الأرفع ، ولعلّ هذا هو الفلاح الذي وعد عزوجل للسالكين في طريق الحقيقة والسائرين بنور معرفته ، فإنّ الروح مهما تطهّرت وصفت من كدرات الحسّ عرجت إلى عالم الجبروت ، فلم يحجبها عن خالقها شيء ، فالآية الشريفة تبيّن الأثر العظيم لابتغاء الوسيلة ، ومنها يظهر أنّ المجاهدة إنّما تكون بعد التوسّل بالوسيلة ، وأما قبله فلا سبيل له حتّى يجاهد ، ولعلّه لذلك عقّب عزوجل على ذلك بأنّ الخروج عن تلك التعليمات كفر ، ومن يتبع غير ذلك السبيل لا يمكنه الوصول إلى تلك المقامات مهما حاول وبذل كلّ ما في وسعه ، فإنّه لا يزيده إلّا بعدا وحجابا (ما تقبّل منهم) ، فإنّ القبول إنّما ينحصر طريقه في ما ذكره عزوجل.