وقرّرتها الشرائع الإلهيّة الاخرى ، وكانت خاتمتها الشريعة الإسلاميّة التي جعلت هذا الفرض قانونا إلهيّا بأبهى صورة وأبلغ تعبير في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٩] ، وقد اعتبر أحسن تشريع في هذا الموضوع ، حيث اهتمّ بجميع الجوانب المرتبطة به ، وتقدّم البحث فيه في سورة البقرة فراجع.
والجملة عطف على قوله تعالى : (أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ) ، والمراد بها بيان حكم القصاص في جميع أقسام الجنايات ، من القتل والقطع والجرح وغيرها. أما القتل ، ففي قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، أي : أنّ النفس تعادل بالنفس وتقتل بها عند القصاص منها ، وإطلاق الآية يشمل الحرّ والعبد ، ولعلّه كان في شريعة موسى عليهالسلام كذلك ، وأما في الشريعة الإسلاميّة ، فالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
قوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ).
الباء للمقابلة ، والمعنى : أنّ كلّ واحدة من الجوارح المذكورة تعادل بما يماثلها في باب القصاص ، فالعين تفقأ بالعين ، والأنف يجدع بالأنف ، والاذن تصلم بالإذن ، والسنّ تقطع بالسنّ إذا قلعت. وقد ذكر العلماء في إعراب هذه الجملة وجوها ، والحقّ أنّها جمل تامّة تفيد معنى تامّا لا يحتاج إلى التقدير أو التأويل ، وسيأتي في البحث الأدبيّ بعض الكلام.
قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ).
أي : والجروح فيها قصاص أيضا كالجوارح ، وفي المقام فروع كثيرة مذكورة في الفقه ، راجع كتابنا (مهذب الأحكام). وفي الآية الشريفة إشعار بأنّ الحكم الذي حكموا به في الواقعة التي طلبوا من الرسول الحكم فيها ، كان مخالفا لما ورد في التوراة.
قوله تعالى : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ).
بيان لاختيار المجنيّ عليه أو وليّه في إعمال حقّه أو العفو عنه ، وقدّم الثاني