متعدّدة تختلف حسب استعداد كلّ فرد ، ولكن لا بدّ أن يكون موافقا للشرع وحكم الله تعالى ، وإلّا فلا يكون الطريق موصلا إليه عزوجل. ولعلّ ما ورد في الآيات الشريفة السابقة إشارة إلى ذلك ، فقد نزل في القرآن الكريم من الأحكام والتكاليف والكمالات ما استوعب جميع الجوانب الظاهريّة والمعنويّة للإنسان ، ممّا جعلته مهيمنا على سائر الكتب الإلهيّة فأصبح فريد نوعه ، فصار غاية للسالكين وأنيسا للمستوحشين ومجمعا للخيرات ، ففيه السبق وبه المسابقة ، وعن طريقه تستكمل النفوس وتتخلّى عن الرذائل ، ولأجل هذا أمر سبحانه نبيّه الكريم بالحكم بينهم بما أنزله فيه بعد أن حكم عليه بأنّه المهيمن على جميع الكتب ، فإذا ثبتت له الرقابة الإلهيّة ، فلا بدّ أن تمرّ منه الطرق وتستنير به النفوس ، فإنّه وإن كان لكلّ واحد منكم شرعة لتهذيب النفوس ومنهاج للوصول إلى الكمالات واجتياز المراحل حتّى الوصول إلى الكمال المطلق ، إلّا أنّها لا بدّ أن تتوجّه إلى ما أمر الله تعالى به ، وهذا هو مطلوب العارف بالله الذي به يختلف عن غيره ، فاستبقوا الأمور الموصلة لكم إلى الكمال حتّى يستفيض كلّ بحسب استعداده ويستنير بما له من القابلية ، ولا خير إلّا فيما أنزله عزوجل ، فإنّه الموصل إليه ، وبه ترجعون إليه فينبئكم بما أوجب اختلافكم وتفرّقكم عمّا فيه الخير لكم ، فيظهر لكم آثار ما اقتضاه الاختلاف ، وهنالك الوعد الحق ، فلا تكون مظاهرهم سببا للفتنة ولا تكون موجبة للانحراف عن جادة الصواب والإعراض عن ابتغاء الخير والوصول إلى الكمال ، فإنّ الحكم هو حكم الله تعالى ، ويكفي في الإعراض والنكوص أنّ الله يحرمه من لذّة الوصال ويحجبه عن اللقاء ، ولذا كان أكثر الناس فاسقين ، لأنّهم التفتوا إلى ذواتهم ، فاشتبه عليهم حبّ الذات عن حبّ اللقاء ، فيحكمون على أنفسهم بالمحبّة والوصال ـ وشتان ما بينهما ـ وهذا هو حكم صادر عن النفس الأمّارة ، لا عن علم إلهيّ ، فصار حكما جاهليّا.
فلا تلتفت في السير غيرا وكلّ ما |
|
سوى الله غير فاتخذ كرهه حصنا |
وكلّ مقام لا تقم فيه انه |
|
حجاب فجد بالسير واستنجد العونا |
وقل ليس لي في غير ذاتك مطلب |
|
فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنى |