الفتح الذي لا ينفع معه الإيمان إما ذلك الفتح الذي يتبدّل فيه الحياة إلى حياة اخرى ، فيرتفع التكليف حينئذ ، كما في تبدّل نشأة الدنيا وبالآخرة ، أو لأجل تبدّل حالات الإنسان إلى حالة لا تفيد معها الإيمان بارتكابه المعاصي والآثام ، فقسى قلبه قسوة لا رجاء معها للرجوع والتوبة ، قال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [سورة الانعام ، الآية : ١٥٨]. وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في مباحثنا السابقة.
وقيل : إنّ المراد به فتح بلاد اليهود كخيبر وغيرها ، وقيل : إنّه فتح بلاد النصارى.
وكيف كان ، فإنّ جنس الفتح ينطبق على كلّ فتح يظهر الله عزوجل به الإسلام ويعزّ الدين ، وينصر المؤمنين على الكافرين ، ويفضح به أعداءهم ويكشف حقيقتهم ونواياهم. فتكون الآية الشريفة من الملاجم القرآنيّة التي ينبئ فيها تعالى إعلاء كلمة الإسلام وظهوره على الكفر كلّه ، بعد ما تستقبل الامّة من الحوادث ممّا تزعزع عقيدة كلّ فرد مؤمن إلّا من عصمه الله تعالى ، فلا تختصّ الآية الشريفة بعصر النزول ولا بطائفة خاصّة ، كما ذكره المفسّرون من أنّها نزلت في المنافقين ، كعبد الله بن ابي وأصحابه الذين كانوا يشاركون المؤمنين في اجتماعاتهم ويظهرون إيمانهم والتودّد إليهم وهم يضمرون المحبّة والتولّي لليهود والنصارى ، استدرارا للطائفتين ، فإنّ حكم الآية عامّ يشملهم كما يشمل غيرهم ممّن فيه الصفات التي ذكرها عزوجل في هذه الآيات ، ومن ذلك يعرف أنّه لا وجه للإشكال بأنّ مراد الآية غير هؤلاء المنافقين الآخذين بالحائطة لمنافعهم ، إذ لا معنى لخسران من احتاط بحائطة اتّقاء مكروه يخافه على نفسه ثمّ صادف عدم وقوع ما كان يخاف وقوعه ، فإنّ الاحتياط في العمل من الطرق العقلائيّة التي لا تستتبع لوما ولا ذما.
ويردّ عليه : أنّ الاحتياط الذي لا يستتبع اللوم والذمّ هو ما كان صحيحا ومعتبرا عند العقلاء وقرّره الشرع ، لا مثل المقام الذي يكون الاحتياط فيه بين الحقّ والباطل ، وقد نهى عزوجل عن مولاة الكافرين ، فهم لم يطمئنوا بوعد الله