يشتركان في كثير من الأفعال والآثار ، إلّا أنّ النفاق لا يكون إلّا في موت القلب والكفر الخالص ، ولكنّ مرض القلب يجتمع مع ضعف الإيمان والشكّ والتردّد ، فيميل مع كلّ ريح ويتبع كلّ ناعق. وأما المنافق فهو يبطن الكفر ويظهر الإيمان ليستميل المؤمنين ويكون معهم ظاهرا ، لتنفيذ مآربه كما حكى عنهم عزوجل في مواضع من القرآن الكريم ، وربما يشتركان في عدم استقرار الإيمان وعدم اشتمال باطنهم منه ، كما يتّفقان في بعض الأفعال. وقد يكون مبدأ النفاق هو مرض القلب ، فإذا لم يعالجه صاحبه ينتهي به إلى الكفر والنفاق ، كما قال عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ـ إلى أن قال تعالى : ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) ... (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) ... [سورة البقرة ، الآية : ٧ ـ ٢٠] فإنّ المستفاد منها أنّ القوم كانوا في ابتداء أمرهم مرتابين فزادهم الله مرضا حتّى هلكوا بإنكارهم الحقّ واستهزائهم له. ثمّ إنّ مرض القلب تقابله سلامته التي هي الاستقامة مع الإيمان والطاعة لله عزوجل والرسول واتّباع أحكامه وعدم اتّباع الهوى والإعراض عمّا سوى الله تعالى ، قال عزّ من قائل : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء ، الآية : ٨٩] ، فإنّه يدلّ على أنّ سلامة القلب إنّما تكون في الانقطاع إليه عزوجل والخلوص والإخلاص له والإعراض عمّا سواه تعالى. وعلى اختلاف درجات الانقطاع إليه والخلوص له تختلف درجات السلامة ، وبذلك يمكن أن يعالج مرض القلب ، فإنّه يتحقّق بالإيمان به عزوجل والاعتصام بحبله وإصلاح النفس والإسراع بالتوبة إليه عمّا فعل من الموبقات ، وترويض القلب على الطاعة وحسن النيّة والعمل الصالح ، وقد ورد جميع ذلك في القرآن الكريم ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) ـ الآية ـ [سورة البقرة ، الآية : ١٧٧] ، الذي جمع الكمالات الواقعيّة المعنويّة والظاهريّة وطرق معالجة الأمراض النفسيّة التي تؤثّر