ولا يخفى أنّ قوله تعالى : (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) إشارة إلى ما ذكره عزوجل في أوّل هذه السورة من الوفاء بالعهود ، فيكون المقام قرينة اخرى على أنّ المراد من العقود في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هو العهود.
السابع : يستفاد من إطلاق الآية الشريفة كفاية الغسلة الواحدة ، ومسمّى المسح في الوضوء والتيمّم.
وذكر بعض المفسّرين أنّ إطلاق قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) يدلّ على وجوب غسل جملة البدن كلّه من دون استثناء ، فيدخل فيه كلّ ما يمكن إيصال الماء إليه ، إلّا ما خرج بالدليل ـ كبواطن العين والاذن والأنف والفم ـ فإنّه عزوجل لم يقيّد أن تكون الطهارة ببعضه.
والحقّ : أنّ الآية المباركة لا تدلّ على ذلك ، بل إنّ إطلاقها يدلّ على كفاية مسمّى التطهير ولو لم يستوعب جميع البدن كلّه ، وإنّ الاستيعاب قيد مشكوك وكلفة تنفى بالأصل. إلّا أنّ السنّة الشريفة البيانيّة منها وغيرها بيّنت الاستيعاب في الغسل وذكرت خصوصياته بأتمّ وجه وأكمل بيان ، فلا مجال حينئذ للأصل.
نعم ، لو فرضنا الشكّ في تحقّق الاستيعاب ، فمقتضى الأصل بقاء الجنابة ، إلّا إذا حصل الاستيعاب ، ويكفي مسمّاه.
الثامن : إطلاق قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) يشمل جميع أنواع الطهارة وأقسامها من طهارة الباطن والظاهر ، ففي الحديث عن الكاظم عليهالسلام : «من توضّأ للمغرب ، كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في النهار ، ومن توضّأ لصلاة الصبح ، كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليله» ، وقريب منه غيره.
وذكر بعضهم أنّ الطهارة على سبعة أوجه : طهارة العلم من الجهل ، وطهارة الذكر من النسيان ، وطهارة اليقين من الشكّ ، وطهارة العقل من الحمق ، وطهارة الظنّ من التهمة ، وطهارة الإيمان بما دونه ، وطهارة القلب من الإرادات. وإسباغ طهارة الظاهر يورث طهارة الباطن ، وإنّ إتمام الصلاة يورث الفهم واليقين والقرب لديه عزوجل.