التي تعدّهم إعدادا علميا لنيل الكمالات والفوز بالسعادة ، وهي التي تجعلهم خير امّة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا ريب أنّ هذه المنزلة العظيمة تستدعي أن يكون المؤمن مستعدا استعدادا متكاملا علميا وعمليا وخلقيا لذلك.
وهذه الآيات الشريفة تشتمل على جملة من التوجيهات والإرشادات التي تهدي المؤمنين وتهيؤهم للوصول إلى تلك المنزلة التي أرادها الله تعالى لهم ، فأمرهم عزوجل أوّلا بالقيام بوظائف العبوديّة وأداء حقوق الربوبيّة بالايتمار بأوامره والانتهاء عن مناهيه ، فإنّه أوّل المنازل ، والاستقامة عليه ، وأحكم ذلك بالأمر بابتغاء العدل في جميع الأمور ومراعاته في كلّ الأحوال ، والشهادة بالقسط ليصلوا إلى تلك المنزلة العظيمة التي هي أقرب ما يمكن أن يصل به المؤمن إلى الكمال ، وهي التقوى التي هي السبيل الأمثل في تصفية النفوس وتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالمكارم والفضائل ، وأمر بالعدل وأكّد عليه تأكيدا شديدا ، لأنّه الميزان الأقوم في تقويم الأعمال وتمييز صحيحها عن سقيمها.
ثمّ ذكر أحوال الأمم السابقة التي آمنت ثمّ نكصت عن إيمانها ، فنكثت المواثيق التي أخذها الله تعالى منهم وأعطوا السمع والطاعة عليها ، فكان عاقبتهم البعد عن الكمال ، والشقاء والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ، فكانت أحوالهم خير معين لتزكية النفوس ووقايتها من الوقوع في مهاوي الرذيلة والبعد عن الكمال.
كما ذكرهم بالنّعم العظيمة التي تستدعي دوام الشكر عليها واستدامة الطاعة والقيام بوظائف العبوديّة.
وقدّم عزوجل في هذه الآيات المباركة التحلية بفضيلة القيام لله تعالى والشهادة بالعدل ، والعمل به ، والتحلّي بالتقوى على التخلية عن الرذائل. مع أنّ الأمر الثاني مقدّم على الأوّل كما هو معلوم ، لأنّ ما ذكره عزوجل في المقام هو