وبالسجود تزال الأطماع البشريّة الكائنة في النفس والمرغّبة إلى الأهوية النفسانيّة ، وبه ترغم أنوف الشياطين وتبعّدهم ، كما بالتشهد ترتفع العلاقة المتعلّقة بما سواه تعالى ، فإذا تخلّص العبد من سبل الشيطان ورقى إلى تلك الدرجات مناجيا به جلّت عظمته وشاهدا له ـ كما قال صلىاللهعليهوآله : «اعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ـ حصلت المعيّة مع المظهريّة ، وبانت القاعدة المشهورة لدى العرفاء الشامخين : «قرّة العين بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود».
وأما إيتاء الزكاة ، فإنّه إيثار لوجهه عزوجل ، لجلب رضاه والتقرّب لساحته ببذل ما تعلّق به النفس ، ولرفع حاجة المؤمن حتّى يسود العدل الاجتماعيّ الواقعي بين الأفراد.
مع أنّ كلّ ذلك لا بدّ وأن يكون مستندا إلى العقيدة الخالصة المتعلّقة بالمبدأ جلّ شأنه ، وذلك لا يتحقّق إلّا بالإيمان بالرسل كلّهم وجميعهم ، فمثل هذه العقيدة لها الدخل الكبير في إتيان العمل منزّها عن الشوائب والرذائل ، فإنّ الإيمان الصحيح الجامع للشرائط والمانع عن الأغيار والنقائص ، لا يكون إلّا كما قال تعالى : (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) ، والإيمان برسله تعالى يستلزم نصرتهم وتقويتهم بتطبيق شرائعهم وسنّتهم ، حتّى تصفو النفس وتليق بالصلة مع الله الواحد الأحد ، فحينئذ يقترض الله قرضا حسنا منه ، لأنّه تعالى شهد بعبوديّة مخلوقه ، وأنّ المولى الرءوف الرحيم لا يأنف أن يقترض من عبده ، بعد ما تخلّى بتكفير سيئاته ، وتحلّى بالمكارم في عالم الشهادة وفي عالم الآخرة ، بالدخول في الجنّات التي تجري من تحتها الأنهار بالارتواء منها ، وهي نهر المعرفة ، ونهر الوصال ، ونهر الإشراق ، أو نهر التحلّي ، ونهر التقرّب ، ونهر الأنوار وغيرها ، كما سيأتي المراد منها ومن الجنّات.
وأما من زال عن تلك الدرجات وكفر بالرسل ولم يؤمن بالله العظيم ، فقد هلك وضلّ وبعد عن الفطرة المستقيمة ، ونقض الميثاق ، ولم ينل تلك الدرجات المعدّة للمؤمن ، وردّ إلى أسفل السافلين ، فصار قلبه قاسيا لم تؤثّر فيه آيات السماء ولا عجائب الأرض ، وإلى ذلك تشير الآية المباركة والله العالم.