قلت : التوقف في المقام ليس بحسب مقام الواقع والثبوت ، بل في مقام الإثبات فقط ، لأن اعتبار خبر الثقة موقوف على السيرة ، واعتبارها موقوف على عدم إحراز وصول الردع بعد الفحص ، وقد احرز ذلك بالفحص اللازم ولم نطلع عليه.
ثم إنهم قد استدلوا على اعتبار خبر الواحد بوجوه عقلية يرجع بعضها إلى بعض ، وجميعها إلى دليل الانسداد الصغير الذي يكون الفرق بينه وبين الانسداد الكبير ـ الآتي ذكره ـ أن الأخير يستدل به لحجية مطلق الظن ، وبالنسبة إلى كلية أحكام الشريعة ، ويستدل به لحجية بعض ما يتعلّق بها ، كخبر الواحد ، وقول اللغوي ، أو المفسّر ، أو اعتبار الظن بالقبلة ونحو ذلك مما يتعلّق بالأحكام الشرعية في الجملة.
منها : إنا نعلم بصدور أخبار مشتملة على الأحكام الشرعية ، ابتلائية كانت أو غيرها ، بحيث يكون احتمال التكليف في غير تلك الأخبار من الاحتمال غير المنجز ، وحينئذ فمع عدم إمكان الاحتياط أو تعسره وبطلان الرجوع إلى الاصول ـ على ما سيأتي ـ وجب الأخذ بمظنون الصدور وهو الخبر الموثوق به.
ويرد : بأن وجوب العمل بشيء من جهة الاحتياط أمر ، وحجية الشيء بحيث يصلح للتخصيص والتقييد والاستناد إليه أمر آخر ، والمقام من الثاني ، والدليل يثبت الأول ولا ربط لأحدهما بالآخر. ويمكن تقرير هذا الوجه بنحو آخر ، لأن العلم بالأخبار من حيث هي لا موضوعية فيها ، بل تكون طريقا إلى العلم بالأحكام الشرعية ، فيرجع هذا الوجه إلى ما يأتي من الوجهين.
ومنها : أن بقاء التكليف إلى يوم القيام مما يعرفه الخاص والعام ، والفراغ منه لا يحصل إلا بالعمل بالأخبار ، ومع فقد العلم بالصدور وجب الأخذ بمظنونه.
ويرد عليه : ما ورد على الوجه السابق من أن الحجية شيء ، والأخذ من