وكل هذه الوجوه يصلح لحمل كلماتهم عليها وإن كان بعضها خلاف ظاهرها في الجملة.
ومنها : أن مرادهم من عدم اعتبار القطع الحاصل من العقليات عدم اعتبار قاعدة الملازمة ، والرد عليها لا عدم ترتب الأثر على القطع المستند إلى المقدمات العقلية مطلقا. وقد استظهر هذا الوجه من مجموع الكلمات بعد رد بعضها إلى بعض ، فلا بد من بيان القاعدة أصلا وعكسا بنحو الأسد الأخصر ، حتى يتبين مورد صحتها وفسادها ، فنقول :
قد اشتهر أن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ، وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل. والمراد بحكم العقل في القضيتين أصلا وعكسا ، جزمه بالشيء بعد الإحاطة بخصوصياته ، وليس المراد به البعث والزجر المولوي لتقومهما بالثواب والعقاب ، وهما مختصان بالشارع فقط وليسا من شأن العقل في شيء أبدا.
كما أن المراد بالعقل ليس العقول الجزئية التي تكون مناط التكليف ، ولا العقل الكلي ـ الذي أثبته الحكماء بأنه أول ما أفيض من المبدأ ، ويظهر من جملة من الأخبار التي جمعها الكليني قدسسره في باب العقل والجهل من كتابه الشريف ، كقولهم عليهمالسلام : «العقل أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش». لأن درك أحكامه وشئونه يختص بمن خلقه أو من علمه ، بل المراد حكم العقلاء الذي تطابقت عليه آراؤهم ، كحسن الإحسان وقبح الظلم ، ولزوم شكر المنعم ، ونحو ذلك مما لم يتخلّف فيه عاقل ، كما لا يحتمل الخلاف فيه من عاقل إلى الأبد.
فالمعنى حينئذ : أن ما تطابقت آراء العقلاء كافة على حسنه ، فالشارع بعث إليه في الجملة ، وما تطابقت آراؤهم على قبحه زجر عنه كذلك.
والظاهر أن هذا المعنى من البديهيات التي لا ينبغي الارتياب فيها من أحد ، بل من أهم مقاصد الشرائع الإلهية دعوة الناس إلى فطرتهم السليمة ومرتكزاتهم العقلائية الصحيحة المتفق عليها عند جميعهم ، وإثارة دفائن