نعم ، لو كان لنفس العلم من حيث هو دخل في الصحة لاختصت بصورة العلم فقط ، وهو خارج عن محل البحث ، مع أنه نادر بل غير واقع في ما أعلم ، فيصح ما اشتهر من صحة عمل تارك الاحتياط والاجتهاد والتقليد إن طابق الواقع ، ولا معنى لكون التعلم طريقا محضا إلا هذا ، كما هو اوضح من أن يخفى.
الرابع : الصحة وسقوط العقاب متلازمان شرعا وعرفا ، بل وعقلا أيضا ، فكل مورد صح العمل لا وجه للعقاب بالنسبة إليه ، وكل مورد يعاقب على العمل لا وجه لصحته ، وقد خرج عن هذه الكلية الجهر في موضع الإخفات وبالعكس إن كان عن جهل ، والإتمام في موضع القصر كذلك ، فأفتوا فيهما بالصحة للنص ، وحكموا بتحقق الإثم أيضا مع التقصير وعدم وجوب الإعادة أو القضاء ، ولهما نظائر اخرى في الفقه ، كما لا يخفى على التخبير ، فيحصل إشكال ، أنه لا وجه للصحة مع تحقق الإثم لأنهما متنافيان.
وقد اجيب عن الإشكال بوجوه ..
منها : أن ما حكم فيها بالصحة والعقاب من باب تعدد المطلوب ، فقد تعلّق طلب بذات المأمور به وطلب آخر بالخصوصية ، فامتثل أحد الطلبين وفوت الآخر عن تقصير ، فيصح ما امتثله لوجود المقتضي وفقد المانع ، ويعاقب على ترك الآخر المنتهى إلى تقصيره.
وفيه : أنه خلاف ظاهر الأدلة الدالة على أن التكليف واحد مشتمل على أجزاء وشرائط ، فهذا الوجه حسن ثبوتا ، ولا دليل عليه إثباتا ، بل ظاهر الدليل خلافه.
ومنها : أن المأمور به إنما هو الذات ، والقيد واجب نفسي لا أن يكون قيدا لصحة العمل.
وفيه : أنه مثل السابق بلا فرق بينهما إلا في كيفية التعبير.
ومنها : أن المأتي به ليس بمأمور به وإنما هو شيء مسقط للواجب.